ربما تمرُ العلاقات العربية التركية اليوم بأهم مراحلها، وهي أهمية ناتجة عن طبيعة الوضع الإقليمي الراهن، وشكل النظام العربي وطبيعة العلاقات الدولية، والحضور الإيراني في المنطقة. ولا شك أن الحالة السورية الراهنة وطول أمد الصراع فيها جعل العلاقات العربية التركية اليوم بحاجة للتعزيز وبناء المشترك والتفاهم على المستقبل المطلوب. في آسيا العربية ثلاث صراعات رئيسة في ملاعب اليمن والعراقوسوريا، وهي مساحات كبيرة، ومؤثرة استراتيجياً، ويحسب لها حساب؛ لأن بقاءها مفتوحة يؤثر على الاستقرار، ليس في باب الأمن وحسب بل في الاقتصاد والثقافة والمجتمع والهوية، وعلينا الاعتراف أن لا بديل للعرب عن تركيا الجديدة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وبعد إقرار التعديلات الدستورية التي قدمت مؤخراً، وهو ما يجعل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في السلطة حتى عام 2027 في حال انجز الإصلاح الدستوري الذي سيعزز صلاحياته، والذي يأتي بعد أقل من خمسة أشهر على فشل محاولة انقلابية لإسقاطه استطاع قمعها بجدية وحزم. صحيح أن تركيا بعيدة عن بعض الدول العربية، وبخاصة دول الخليج، وليست جاراً قريبا مثل إيران، ولكن تركيا تمثل بديلاً ذا عمق استراتيجي لنا معه مشترك تاريخي وثقافي كبير، ولم تحمل الخبرة التاريخية التركية العربية المشتركة سعياً من طرف الأتراك لتفكيك الوجود العربي بل بالعكس عمل الأتراك على الوحدة في إطار واسع يتسع لقوميات الإمبراطورية التي امتدت في مناطق واسعة طيلة قرون مديدة من حكمهم للبلاد العربية. في الراهن العربي، أسواق عربية مفتوحة للصناعات التركية، وحركة انشاءات كبرى ومشاريع كبيرة ينهض بها الأتراك، وهناك حالة من العودة الثقافية لتركيا العثمانية عبر الدراما والتاريخ واللغة، وهو ما تقوم به المراكز الثقافية التركية المنتشرة في عدة دول عربية، هذا عدا عن عامل السياحة واقبال الكثير من العرب على شراء عقارات وشقق سكنية لهم في تركيا. بمعنى أوضح، تُمثل تركيا ملاذاً وموطناً يبدو آمناً لتقاعد الإنسان العربي المقتدر مالياً، وعميلاً مفضلاً للتاجر العربي، ومعادلاً موضوعياً للهيمنة الإيرانية في المنطقة، وشريكا عسكريا في مقابل تراجع الشراكة العربية البينية في المناورات الكبرى التي كانت تجرى وقلت اليوم بين العرب، خاصة وأن تركيا لها مصلحة وطنية أمنية وقومية في انهاء ملفات الصراع على ملعبي العراقوسوريا، وهنا يحضر العامل الروسي الذي يشكل عقدة العلاقات العربية التركية، ذلك أن تركيا قررت أن تتفاهم مع الروس وأن تنهي التوتر معهم بعد أزمة الطائرة الروسية التي اسقطتها تركيا في نوفمبر 2015. في حين يتفاهم الروس مع الإيرانيين على دعم نظام الأسد في سوريا وهو ما يشكل خلافاً شاخصاً لا يمكن اهماله. في ظل الوضع العربي الراهن، وفي مقابله الحال التركي، يبدو أن الشراكة وتعميق العلاقات يبدوان الخيار الأسلم والأفضل، ولا بدّ من تحقيق الاستدارة العربية نحو تركيا لأسباب كثيرة أولها: حالة العجز في النظام العربي، واختراقه وانهيار مساحات رئيسة فيه في ليبيا وسورياوالعراق واليمن، وهي مناطق شهدت وجودا تاريخا تركيا، ولا يطمئن الاتراك لبقائها في حالها الراهن، وهي ستحتاج لاحقا في حال استقرت إلى جهود إعادة البناء، وهو مستقبل يراهن عليه الأتراك كثيراً ويشكل مصلحة كبرى للاقتصاد التركي بحدود العام 2020 بمعنى أن سنوات حكم الرئيس أردوغان المتبقية بعد ذلك التاريخ ستشهد الحضور الأكبر والفائدة الأكثر، وثانيا: لا بديل لدى العرب ولا خيارات كثيرة بين أيديهم، في ظل تغيرات بنية النظام الدولي والموقف الغربي الأوروبي من الملفات العربية. وهو ما يفتح الباب على النظر بواقعية أكبر للمصالح العربية مع جارهم التركي والذي لديه مواجهته الخاصة مع تركيا أيضاً. أخيراً، على العرب النظر للمصالح مع تركيا، محمولة بعامل الشراكة والثقافة والتاريخ المشترك والخبرة التاريخية، وتحييد لغة الكراهية والعتاب، فالأتراك أكثر قرباً اليوم لنا من أي وقت مضى.