لا أدري لم يصمت البعض من مسئولي الثقافة عند الحديث عن جمعيات الثقافة والفنون، أو تناول قضاياها وشؤونها في معرض أحاديثهم؟؛ وكأنها دون وجود ولم ولن تجد طريقا لأبوتها؛ فكانت وما زالت ولم تبرح تائهة في خُطاها على غير هدى؛ تتخبط في مسيرتها بين نارين، واقع لم يستوعب أو بالأصح لا يريد أن يستوعب حتى هذه اللحظة دور جمعيات الثقافة والفنون الكبير في الحفاظ على هويتنا الإبداعية على أقل تقدير؛ وبين نار اعتراف رسمي يليق بهذا الدور الحيوي الذي تؤديه، أو المفترض منها تأديته. الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون هي المؤسسة القائمة على رعاية الفنون بصورة خاصة في بلادنا؛ وهي إن ساغ لنا التعبير الحاضنة الأولى لرعاية المواهب السعودية الشابة في مجالات فنون المسرح وفنون التشكيل وفنون الخط العربي وفنون التصوير الضوئي وفنوننا الشعبية؛ ليس هذا فحسب بل هي المعنية بالدرجة الأولى بنقل التراث وفنونه إلى الأجيال المتعاقبة؛ وعلى الرغم من هذا التنوع الثري نجد أن فروعها الستة عشر لم تعد منشغلة بتحقيق تلك الأهداف على قدر انشغالها بسبل الصراع من أجل البقاء على قيد الحياة؛ وأرجو ألا تندهشوا من هذا التعبير الصادم لأنها الحقيقة المرة التي نعرفها كما نعرف أسماءنا؛ فتلك الفروع التي لا أدري سببا للحرص على زيادة عددها في ظل التقشف تناضل نضالا مستميتا كي تبقى!!. نعم كي تبقى فقط. سأحاول أن أكون منصفًا كيلا أظلم مراحل جمعيات الثقافة والفنون وأضعها في سلة واحدة؛ بل يجب أن نقول وبصريح العبارة تظل بدايات جمعيات الثقافة والفنون أجمل وأفضل بكثير من مرحلتها الإنعاشية التي هي عليها الآن؛ فلولا أن قيّض الله -عزّ وجل- لبعض فروعها رجالا مناضلين مثابرين مجتهدين للإبقاء على أمرها لذهبت إلى غير رجعة؛ ولاحظوا أنني أقول الفروع كوني لا أقف كثيرا عند المركز الرئيسي الذي بات يتفنن في قيادة هذه المؤسسة إلى جوانب عدة دون وضوح؛ فلا أمل يلوح في الأفق من أن جمعية الثقافة والفنون لها مستقبل استثنائي؛ في ظل لَت وعجن الدراسات التي تُجرى بعيدا عن الواقع الأليم الذي تعانيه الفروع؛ أقول هذا الرأي بناء على لقاء عقدناه في الطائف مع المُكلف بملف الجمعية «الفقير» والذي كان شخصا دمثا متفهما له نظرة اقتصادية جيدة لكن رغم هذا كله كانت خلفيته عن ملف الجمعية المعقد بسيطة؛ بمعنى أن رؤيته حالمة كثيرا وتكاد تكون بعيدة إلى حد كبير عن واقع هذا الكيان الاشكالي، والذي يعرفه جيدا من عاصروا وعايشوا هذه المؤسسة الفنية الثقافية المجتمعية. باختصار شديد.. جمعيات الثقافة والفنون بأمس الحاجة إلى قرار رسمي جذري؛ فلم يعد حل اللغز في تبديل رئيسها؛ أو ضخ دماء جديدة في مجلس إدارتها؛ أو تعيين خبراء اقتصاد للبحث في سبل استثماراتها؛ بل هي بحاجة عاجلة إلى تأهيلها ككيان مؤسسي؛ أي تغيير نظام العمل فيها، وتحويلها إلى كيان مؤسسي برؤية جديدة، ومن المقترحات تحويل الفروع إلى مراكز ثقافية؛ أو مجالس وطنية للفنون والثقافة والتراث؛ ومن المقترحات أيضا تحويلها إلى هيئة مستقلة للفنون والثقافة والتراث، وجميعها مقترحات قابلة للزيادة أو التطوير، وفي كل الأحوال منح تلك الفروع المتناثرة بعد إيجاد كيان مؤسسي مغاير استقلالا إداريا وماليا.