أي مزاج هذا الذي يستطيب الإنصات في الصباح الباكر إلى شيلة تمجّد قبيلة، أو تذم أخرى، أو تمدح هذا.. وتنال من ذاك؟ ألا سبيل للفرار من هذا المصير الصباحي الإلزامي في ظل ما نعيشه من زحام.. وفي ظل ما يلزمنا به هذا الزحام من مجاورة سيارات مدججّة بسماعات تقذف كل هذا النشاز؟! مصيبة عشاق الشيلات أنهم يتعمدون فتح نوافذ سياراتهم ونثر نوبة الحماس هذه على أناس لا ذنب لهم ولا أثر لوجود مصالح مشتركة! دردشت يوما مع شاب مهووس بالشيلات.. وكان قد أزعجني ما يصدر عن سماعات سيارته من قذائف. كانت كل قذيفة قادمة من الأنف «إنشادي» الذي ينشز في سيارته تطعن قلب الصحفي في داخلي.. فقررت أن أستعيد زمن البدايات وأسأله، بعد أن عرفته أنني صحفي، وقلت: أنت عاشق شيلات.. وهذا واضح! لكن اسمح لي أن أسألك: لماذا تستمع إليها بهذا المستوى من علو الصوت؟ قال: أجل تبيني أسمع «معازف»؟ الحقيقة أنه كان شابا بسيطا ومتمسكا بكركترات وسمات معروفة عن هذه الفئة العمرية تحديدا.. فبادرته وقلت: أنا لم أقل ذلك، بل قلت لماذا الشيلات تحديدا؟ فقال: حماس.. وكذا!! فقلت: وهل يدفعك هذا إلى رفع صوت سماعاتك إلى هذا الحد، وترك النوافذ مفتوحة.. وإجبار غيرك على الاستماع؟ قال: «عادي.. لو معازف بقولك صح وما يجوز الشي هذا.. لكن تراها شيلة»! وانتهى حواري معه، تقريبا، إلى هذا الحد.. بقيت أنا مع حصار السعي إلى تحليل ما قاله الشاب، فهل الإنصات إلى النسخة الرقمية من عجاج داحس والغبراء هو مدعاة لطمأنينة لا توفرها «المعازف» كما سمّاها؟ ومن هو القادر على الجزم بأن سامع الشيلات لا يؤاخذ بذنوب كتلك التي تثقل كاهل المستمع إلى الأغاني التقليدية المقترنة بالأدوات الموسيقية كما يقول البعض؟ وإن كان هذا هو الحال بناء على يقين لم تدحضه بيئة تعليمية على طرفي القناعة.. فهل من حل حاسم بأدلة علمية واضحة؟ السؤال الثاني الذي كنت بحاجة إلى أن أبدأ في تخمين إجابة عاجلة وحاسمة له يقول: هل الاستماع إلى نوبات هلع صادرة عن أنف أحدهم، هو الحل المثالي لاحتواء احتقان داخلي يسكن هؤلاء الشباب بشكل أو بآخر؟ أم أن الإنصات إلى هذه النوبات من الذعر الإنشادي هو من يزيد الأمر سوءًا من ناحية النعرات، وما في حكمها من صنوف ال «هياط»؟ إلى حين الجزم بكل هذا، أتمنى من الإدارة العامة للمرور أن تقوم بمخالفة كل من تسوّل له نفسه رفع صوت الشيلات عند الإشارات وفي الزحام، وفتح النافذة وترويع الأطفال والآمنين بهذه النوبات الصوتية من الهلع الأنفي العدواني.