«تقاييم الأداء هي أنظمة مكلفة جدا ومعقدة، من أجل جعل الناس غير سعداء» «كيفين ميرفي» الأستاذ والباحث بجامعة ولاية كلورادو.. تخلصت كثير من المنظمات في العالم من نظام التقييم برمته. والأغلبية الساحقة تخلصت من النظام التقليدي السنوي الذي يصنف الموظفين من خلال الدرجات أو الفئات. ولكنها وضعت نظاما بديلا لا يعامل الناس كأرقام، ولا يحاسبهم على ما مضى، ولكن يسعى لتنميتهم وتطوير قدراتهم مستقبلا. قد تختلف الصيغ البديلة في هذه المنظمات، ولكن تشترك جميعها في الشفافية والتقييم المستمر من خلال المراجعات المتكررة بين الرئيس والمرؤوس، والتركيز على لعب دور المرشد لا المحاسب، وإعطاء العمل الجماعي حيزا أكبر في التقييم، والبعد عن مقارنة زملاء العمل ببعضهم أو ترتيبهم حسب الأفضلية، أو إعطائهم ملاحظات سلبية. ومن المثالب التي تؤخذ على نظام التقييم التقليدي، هو أنه يدعو للصدام والمواجهة بين الرئيس والمرؤوس، فالناس في أغلبها تكره أن تقيم. كما أن درجات التقييم تصنع في أغلب الحالات عقلية القوالب الثابتة عن أداء الناس بدلا من التركيز على تنميتهم. فعندما يرسخ في ذهن المدير تقييم معين عن مرؤوسه، فقد يصعب عليه ملاحظة اي تحسن أو تدهور في أدائه، ويضمحل دور المرشد في المدير نحو ذاك الشخص. وقد بينت دراسة تحليلية شاملة قام بها الباحثان (أفراهام كلوغر) و(أنجيلو دينيسي)، وجمعت نتائج 607 دراسات، أن أكثر من ثلث التغذية العكسية الناتجة عن نظام تقييم الأداء، تنجم عنها نتائج عكسية، مما يتسبب بانخفاض الأداء، بدلا من رفعه. كما بينت دراسة قامت بها ثلاث جامعات، هي: ولاية كنساس، وإيستيرين كنتاكي، وتكساس أي أند إم (2013م)، أن الموظفين ينزعجون كثيرا من الملاحظات السلبية، حتى أولئك الذين لديهم رغبة في التعلم والنمو. وفي دراسة حديثة قامت بها شركة «بتر ووركس،» وُجد أن المدير الذي يتواصل مع مرؤوسيه المباشرين ويتابع معهم مستوى التقدم تجاه الأهداف بشكل أسبوعي، يصبح لديهم فرصة أكبر بمقدار 24 ضعفا، لتحقيق تلك الأهداف. ولذلك، سعت العديد من الشركات الكبرى والمؤسسات الحكومية للتخلي عن نظام التقييم التقليدي. ففي طريقها للتحول من شركة منتجة للعتاد والحواسيب إلى شركة تهتم بإنتاج البرمجيات، فإن «أي بي إم» التي تجاوز عمرها مئة سنة، تحاول أن تغير نظام تقييم الأداء لديها ليتلاءم والتطور في طبيعة العمل. ولم تفاجئ الشركة موظفيها بالنظام الجديد كما فعلت وزارة الخدمة المدنية مؤخرا. فقبل اعتماد نظام التقييم الجديد الذي أطلقته الشركة في شهر شباط (فبراير) الماضي، عمدت إلى الأخذ برأي موظفيها البالغ عددهم 380000 موظف، والمنتشرين في 170 دولة في العالم، فيما يجب أن يكون عليه تقييم الأداء. وقد استطاعت الشركة أن تحصل على 75000 وجهة نظر، و2000 ملاحظة من موظفيها. ويتلخص نظام التقييم الجديد بوضع أهداف قصيرة المدى مع مراجعة أكثر تكرارا مع المدير (على الأقل ربع سنوية). ويعتمد التقييم على خمس ركائز هي النتائج المحققة، والتأثير على نجاح الزبون، والابتكار، والمسؤولية الشخصية تجاه الآخرين، والمهارات. ويقوم المدير بتحديد ما إذا تجاوز الموظف أو قصر في إنجاز الأهداف تجاه كل واحد من المعايير السابقة، دون مقارنة بالآخرين ودون ان تكون هناك درجة محددة. كما عمدت شركة جنرال إلكتريك في استراتيجيتها الجديدة المعتمدة على الابتكار، إلى إلغاء تقاييم الأداء الفردية والمراجعات السنوية للأداء. وأصبح التوجه الجديد يعتمد على مناقشات متعددة خلال السنة، بين الرئيس والمرؤوس. وتم استبدال الأهداف السنوية بأولويات قصيرة المدى. وقد بدأت الشركة بتطبيق النظام في العام 2015م على نحو 87000 موظف، كتجربة قبل اعتماده بشكل كامل. وتحولت شركة فيسبوك، من التقييم السنوي التقليدي إلى نظام يقيِم فيه الموظفون أنفسهم بأنفسهم، ويعرضون ذلك على رؤسائهم وكذلك أقرانهم وزملائهم، بما يعكس القيم الأساسية للشركة في الانفتاح والشفافية. ثم يتم اتخاذ القرارات حول الأداء من خلال اجتماعات مناقشة للمديرين وجها لوجه. فيتم تبادل الآراء وتدمج الأفكار بحيث تقلل الفروقات الفردية بين المديرين في التقييم، ويصبح التقييم أكثر عدلا وشفافية. ومن ثم تعرض هذه التقاييم بعد إزالة أسماء المديرين، على نخبة من الخبراء للتأكد من سلامتها وموضوعيتها. وتوضع بعد ذلك درجات التقييم في معادلة لتحديد مبلغ المكافأة لكل شخص، حيث إن المديرين ليس لديهم سلطة تقديرية في اتخاذ قرار الزيادة السنوية. وترى فيسبوك أن هذا النهج يهدف إلى تعزيز قيم العدل والشفافية وتطوير الموظفين. ولا تؤمن فيسبوك بوجود أشخاص موسومين بدرجات تقييم ثابتة مثل «أ»، أو «ب» أو «ج» فهي لا تقيم الأشخاص بحد ذاتهم، ولكن تقيم فترة من الزمن. ولذلك فإن من كانوا من بين أضعف 10% في التقييم، وجدوا أن لديهم فرصة بنسبة 36% للقفز إلى النصف الأعلى من التقييم خلال سنة واحدة. حتى المنظمات الحكومية في العالم بدأت بالتفكير في تغيير نظامها التقييمي. فعلى سبيل المثال، توصلت المؤسسة الفضائية «ناسا» ومكتب التحقيق الفيدرالي إلى قناعة بأن المسؤولية يجب أن تكون جماعية، وأن على المديرين أن يبذلوا جهدا أكثر باتجاه إرشاد موظفيهم وتطوير قدراتهم. لقد أصبحت إدارة الأداء التقليدية كما تمارس من قبل معظم المنظمات، عملية بيروقراطية تشكل غاية في حد ذاتها، بدلا من جعلها أداة لتشكيل الأداء. ولذلك، وفي ظل تنامي الوعي بأهمية الإنسان، فقد تيقنت المنظمات الرائدة بأن المطلوب هو ليس تقييم الأداء، ولكن تطوير الأداء.