راسلني أحد الأصدقاء على الواتس لعلمه بأنني بعيد عن الوطن الآن قائلا: «من مكانك ومن كوالالمبور كيف ستكتب؟ وماذا ستكتب بمناسبة قدوم الملك سلمان للشرقية وزيارته للأحساء»؟. سؤال جعلني أفكر كثيرا ماذا سأكتب وعن أي فكرة سأعبر بها لزيارة أراها مفصلية وتاريخية، تتوقف لها الحروف مختلطة فيها مشاعر الفرحة بالغربة، ومشاعر السرور بالغبطة وبالأثر الإيجابي الذي ستنجبه هذه الزيارة الفريدة التي يعانق فيها خادم الحرمين الشريفين قطعة هامة واستراتيجية من أرض الوطن المعطاء فلم أجد أولا إلا الشعر الذي يسعفني للتعبير لأقول لوالدنا الملك سلمان وأجدها حروفا تتناثر بالفرح على مشاعر كل شرقاوي لأقول: طابت رؤاكم وطبنا والربيع دنا وروضه في سناء الأكوان متصل تهفو لكم «هجر» كم حنّت طلائعها وفي«القطيف»وفي«الدمام» محتفل فأسرة نحن«سلمان» يعانقها يسمو بها الحزم بل تسمو بها المثل فأنتمو في رياض الشعر أغنية يشدو لها النخل والأنسام والطلل كالنحل يرسل شمعا من ينابعه وللشفاه تباشير الهنا عسل بالمقابل، يحزنني كثيرا رؤية البعض أن الكتابة عن حب المواطن لملكه والوطن تطبيل وتزلف، ولو قرأ هؤلاء تراث الأمم المتطورة وتاريخنا الأخلاقي لوجدوا أنهم نهضوا لأنهم كانوا يحبون أوطانهم بطاعة حكامهم، فكم هي المآثر التاريخية التي علمتنا أخلاق شعوب شرق آسيا وأخلاقها القومية والوطنية، فهي أشبه بالنظم الدستورية العرفية التي اتفقوا عليها كحب الحاكم وطاعته وأثر هذا الحب من الصدق والأمانة والعمل لرفعة وطنهم، فالكنفوشيوسية مثلا ديانة صينية قديمة تتجه اتجاها أخلاقيا أكثر منه عقائديا باحثة في الفضائل والزوائد والخير، وسلوك الإنسان في هذه الحياة الدنيوية، لذا ظلت الأخلاق عند كنفوشيوس مثلا الأمر الأساسي الذي تدعو إليه هذه الديانة ومحور فلسفتها، كونها تقوم على ثلاثة أركان أساسية هي تقديس الوالدين، وحب الحاكم وطاعته، والتمحور حول القيم النظامية، وجعلوا هناك أخلاقا للحاكم يجب أن تظهر عليه كالاحترام، والتودد، والاهتمام بالصالح العام وتحقيق العدالة، لذا اتخذ «كونفوشيوس» الفكر الديني وسيلة لدعم الأخلاق، وتوثيق الصلة بين أفراد المجتمع من ناحية، وبينهم وبين الحاكم من ناحية أخرى، لذا ظل الفكر الأخلاقي عند «كونفوشيوس» يدرس إلى الآن في كثير من المدارس بشرق آسيا، من هنا أقول إن محبة الحاكم وطاعته أساس أخلاقي ينعكس إيجابا على رفاهية الوطن والشعب، فهي حقيقة لا يفهم منها التزلف والمديح المصطنع بل هي قيم فطرية إنسانية تنمو بحجم العلاقة الوطيدة بين الحاكم والمحكوم. وما زيارة الملك سلمان -حفظه الله- للشرقية اليوم في ظل أميرها المحبوب سعود بن نايف إلا تجسيد لهذه العلاقة الحميمية والتي ستدفع سفينة التنمية في الشرقية وكل محافظاتها، وتأكيد لاهتمام القيادة بهذه القطعة الغنية من الوطن وأهميتها الإستراتيجية والفكرية والتاريخية، بل هي صورة من أروع صور اللحمة الوطنية في وقت استثنائي والمملكة تنظر بعين التخطيط والنهضة لرؤية 2030، ولا شك أن هذه الزيارة للملك سلمان وهو من سطرت سيرته الكثير، كما سطرت النظرة الاستشرافية وسرعة البديهة والفكر والنظر الثاقب وتجربته الطويلة كأمير للرياض كبير الأثر في تحفيز عجلة التنمية بالشرقية، كون قدومه يتزامن مع افتتاح مشاريع اقتصادية وتنموية وأخرى خدمية في جميع مدن الشرقية، بل ومتابعة متطلبات المواطن من جميع المجالات الاجتماعية والخدمية من جهة، وفي المقابل الوقوف على مجالات أخرى من التطوير الذي سيسهم في خلق مشاريع جديدة، ومتابعة لأخرى متعثرة، والاستماع لذوي الفكر والرأي خاصة للمجالس الأسرية المعروفة بالأحساء، وتأتي إلجاما للفكر المتربص والدخيل بأمن الوطن، لذا تبقى هذه الزيارة مسطرة بحق أن الشرقية اليوم غير وسلمان بخير.