اعتاد «حزب الله» اللبناني على «عرض عضلاته» في كل مناسبة، الا ان يوم الشهيد لم يكن عرضاً عسكرياً فحسب بل كانت رسالة «رباعية الأبعاد» في هذا التوقيت بالذات الى الداخل اللبناني وللإدارة الأميركية الجديدة وروسيا على وجه التحديد والى النظام السوري. فبعدما خاضت إيران عبر ذراعها العسكرية الإرهابية المتمثلة ب«حزب الله» حروباً دموية في سوريا كلفتها الكثير، لن ترضى بأن تكون خارج المعادلة الجديدة، و«الدولة الشيعية» تحت مظلة «ولاية الفقيه» أمر أساسي من حصة ايران عند تقسيم سوريا، وهنا تكمن الرسالة الأولى. أما الرسالة الثانية فهي موجهة الى الرئيس المنتخب دونالد ترامب بعدم العبث مع إيران، في حين تقول الرسالة الثالثة ان النظام السوري لم يعد يملك زمام المبادرة في كثير من المناطق، وأن «حزب الله» وصل إلى العمق السوري. أما الرسالة الرابعة والأخيرة فهي موجهة الى الداخل اللبناني عبر القول: ان «الرئاسة والحكومة ومجلس النواب ماهي إلا مؤسسات صورية، وأن القرار الأول والأخير له، فهو أضحى جيشاً عابراً للحدود». رسالة واحدة بدلالات متعددة واعتبر الكاتب والمحلل السياسي المعارض لقمان سليم في تصريح ل«اليوم» انه «علينا أن نصدق نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم حينما قال إن هذا العرض كان مجموعة رسائل وليس رسالة واحدة بدلالات متعددة، وبالتالي فإن هذه الرسائل تبدأ من الداخل اللبناني، أي جمهور حزب الله الذي يحتاج الى ما يرفع من معنوياته، وهذا العرض عملياً يبلسم أوجاع الجمهور الذي يتلقى اليوم تلو الآخر أخبار القتلى والجرحى، فبالنسبة الى الجمهور هذه رسالة من حزب الله، «صحيح نحن نخسر قتلى وجرحى، ولكن سوريا أيضاً مكان نثبت فيه قوتنا وننتصر»، بالنسبة الى الداخل اللبناني الأعم اللبناني ليس اللبناني الشيعي، أظن بأن الرسالة واضحة وهو أن حزب الله عملياً هو من يكتب السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية، وهو من يقرر كم يكون الرئيس قوياً، وكم يكون رئيس الوزراء فاعلاً، فهي إعادة تأكيد لما شهدناه خلال الأعوام الماضية من أن الدويلة هي الوصية على الدولة، وتبقى الرسائل الخارجية بالدرجة الأولى هناك رسالة إيرانية واضحة بأن إيران لا تملك ميليشيات فقط في سوريا، بل تملك جيشاً كامل الأوصاف، وهذه أحدى رسائل هذا العرض». وأوضح لقمان ان «هناك رسالة أخرى وهي أيضاً إيرانية، ولكن الى النظام السوري نفسه للقول ان النظام هو ما هو ولكنه لم يعد الركيزة الأساسية لحركة إيران في سوريا، وان شئنا أن نقرأ رسالة أخرى فهي رسالة على مستوى توزيع النفوذ بين إيرانوروسيا، صحيح ان روسيا تقاتل من الجو وبالصواريخ المجنحة وغيرها ولكن إيران تقول انها من تملك الأرض والمقاتلين على الأرض، أظن أن هذه الرسائل التي تذهب من المحيط الأبيض الى الدوائر الاوسع، هي مجمل ما يقوله هذا العرض». «حزب الله» لن يقبل بالخروج من المعادلة الجديدة ورأى الكاتب والمحلل السياسي يوسف دياب في تصريح ل«اليوم» انها «رسالة مزدوجة، حيث توجهت الرسالة الأولى الى الداخل اللبناني، وخصوصاً الى العهد أي إلى حليفه الرئيس ميشال عون، فالعهد الجديد رفع شعارات فضفاضة جداً فيما يتعلق بالعودة الى الدولة وبناء الدولة والجيش القوي، وأن تكون الكلمة العليا للمؤسسات الأمنية والعسكرية»، موضحاً ان «حزب الله أراد القول إنه أصبح جيشاً موازياً للجيش اللبناني وأنه رقم صعب في المعادلة وليس بإمكان أحد أن يلغيه». واستذكر دياب ما قاله وزير الخارجية جبران باسيل بعد انتخابات الرئاسة «حينما طالب حزب الله بالخروج من سوريا مع كل القوى، وهذا العرض العسكري ردٌ على باسيل، كأن «حزب الله» يقول له ان كنت تعتقد أننا مجرد ميليشيا فنحن اليوم لدينا دور أكبر في سوريا ولا نخضع لمزاج أي فريق في الداخل اللبناني. وقال: «اما الرسالة الثانية فهي خارجية للداخل السوري وللدول الإقليمية، حيث يبدو أن «حزب الله» بدأ يقرأ أن هناك ملامح خريطة ترسم في سوريا نحو التقسيم، ولهذا فهو يقول إن هناك منطقة جغرافية كبيرة في سوريا بإمكانه وضع اليد عليها، وهذه المنطقة تبدأ من الساحل السوري من طرطوس وصولاً الى جنوبلبنان مروراً بالزبداني ودمشق، معتبراً اياها منطقة نفوذه وسيطرته، كونها خاضعة لحمايته وليس لحماية جيش النظام. وأضاف المحلل السياسي دياب: منذ شهرين تقريباً أعلن احد مسؤولي «حزب الله» انهم يسيطرون على مساحة جغرافية في سوريا تفوق مساحة لبنان بثلاثة أضعاف، ولهذا يقول «حزب الله» اليوم: ان لديه حصة في المعادلة الإقليمية وسيكون له حصة في سوريا المقبلة سواء قسمت أو كانت دولة فيدرالية، الا ان هذا لن يسمح لنا بعد اليوم من الحديث عن الدولة العلوية بل عن الدولة الشيعية في سوريا، كون نفوذ هذه الدولة يخضع لإيران و«حزب الله» بالدرجة الأولى، معتبراً انه «غاب في كلام قاسم أي حديث عن مقاومة واعمال سرية يقومون بها، الا ان قاسم رغم نفي كلامه لا يمكننا أن نغض النظر عن الرسالة التي أراد ايصالها لمن يعنيه الأمر بأن «حزب الله» أصبح جيشا قويا، ولن يقبل بالخروج من المعادلة الجديدة». توقيت العرض وربط المحلل السياسي الدكتور توفيق الهندي في تصريح لصحيفة العرض العسكري ل«حزب الله» في القصير وكلام نعيم قاسم على الرغم من المحاولة للتراجع عنه في وجود رسائل في عدة اتجاهات، الا ان الرسالة الأهم تكمن في توقيت العرض، ففي الوقت الذي يحتفل فيه اللبنانيون بانتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس سعد الحريري وعلى مقربة من الاحتفال بذكرى الاستقلال أتى هذا العرض للقول «ان» حزب الله موجود وهو من يدافع عن لبنان. ولفت الى ان حزب الله قد يكون ارسل رسالة الى المملكة العربية السعودية التي سبق ورصدت 3 مليارات دولار لدعم الجيش اللبناني، وكأنه يسعى الى افشال أي نية لدى السعودية بإعادة الهبة للجيش اللبناني، لاسيما أن هناك كلام نقل عن الرئيس ميشال عون أنه سيتمنى في زيارته للسعودية من القيادات السعودية إعادة رصد الهبة للجيش. وختم الهندي: «حزب الله اكد على دور إقليمي كبير له وان لبنان يجب أن يكون حيث يريد الحزب، بالرغم من انشغال الأحزاب والقوى السياسية بتأليف الحكومة، الا ان هذا الامر لا يعنيه فهو مشغول بمشواره في سوريا والمنطقة والذي لا يزال مستمراً».