تَأوّبَني دَائي القَدِيمُ فَغَلَّسَا... أُحَاذِرُ أنْ يَرْتَدَّ دَائِي فأُنْكَسَا وبدَّلْتُ قُرْحاً دامِيًا بعدَ صِحَّةٍ... فَيَا لَكِ مِن نُعمى تَحوّلنَ أَبْؤُسَا «امرؤ القيس» العدسات اللاصقة التي ترصد مستوى الجلوكوز لمرضى السكر، وأجهزة الحاسب الملبوسة على المعصم، والتي تقرأ الجزيئات النانوية التشخيصية التي تحقن في مجرى الدم، والأجهزة التي تزرع في الجسم لتعدل الإشارات الكهربائية في الجهاز العصبي، والإنسان الآلي الذي يصرف وصفات الدواء، والأجهزة الداعمة للإنسان، وغيرها كثير، هي ضمن قائمة من المبادرات التي تتبناها اليوم شركة جوجل. ومنذ أيام قلائل، قام جراحون بريطانيون بنجاح بإجراء أول عملية في العين باستخدام الإنسان الآلي، وذلك لإزالة غشاء على شبكة العين يبلغ سمكه واحد بالمئة من المليمتر. وربما يستحيل على الإنسان أن يقوم بعملية على هذا المستوى من الدقة دون أن يخدش الشبكية. وكان الجراحون في السابق يلجأون إلى خفض نبضات قلوبهم والتحرك فقط فيما بين النبضات للقيام بعمليات معقدة كهذه. وهناك الآن ما يسمى بالجلد الإلكتروني، يكون على شكل رقائق تشبه الوشم. ويقوم هذا الوشم البيومتري بنقل المعلومات الطبية بكل أمان. ومن الممكن زرع هذه المجسات التي تعمل بترددات الراديو تحت الجلد وتكون أيضًا بمثابة جهاز لتحديد الهوية. وتقوم هذه المجسات بقياس كل المؤشرات الصحية الهامة في جسم الإنسان. ويشمل ذلك درجات الحرارة، والمؤشرات الحيوية في الدم، وتنقل البيانات إلى الحوسبة السحابية، وترسل تنبيهات لحظية للأنظمة الطبية المعنية عندما تكون هناك - مثلًا - سكتة دماغية. وتقوم باستدعاء سيارة الإسعاف بنفسها، وترسل جميع البيانات ذات الصلة على الفور. وهذا ما يسمى اليوم بالعلاج المبني على البيانات. فالبيانات الكبيرة يتم تجميعها وربطها ببعض من أجل خلق صورة تنبؤية لحالتنا الصحية. والطبابة المبنية على البيانات ليس لديها القدرة على تحسين سرعة ودقة التشخيص للأمراض الوراثية، فحسب. ولكن أيضًا فتح المجال أمام إمكانية تقديم العلاج على أساس شخصي. منذ الكشف الكامل لخارطة الجينوم البشري في العام 2003م، اجتهد علماء الأحياء وغيرهم لجعل العملية أسهل وأسرع. وقد حققوا تقدمًا كبيرًا في ذلك، حيث استطاعوا رسم تسلسل الجينوم لأكثر من مليون شخص. ويعتقد أن العدد قد يرتفع إلى ما يقرب من ملياري (2) شخص بحلول العام 2025م. وهذا الكم الهائل من بيانات الجينوم لا يمكن فهمه إلا من خلال خوارزميات متطورة من الذكاء الاصطناعي. فقد طورت الشركة السويسرية «صوفيا جيناتيكس» آلة ذكاء اصطناعي اسمها «صوفيا،» باستطاعتها قراءة وتجميع الشفرة الوراثية من الحمض النووي والتنبؤ وتشخيص الأمراض الوراثية، مثل مرض السرطان، والتوحد، والخرف. كما تستخدم صوفيا الذكاء الاصطناعي لتضيف لبيانات الجينوم الاستنتاجات التحليلية، والمعارف الطبية، وآراء الخبراء من أجل إعطاء التشخيص الذي يساعد الأطباء على «شخصنة» علاج مرضاهم. ويتحسن أداء صوفيا مع الوقت كلما اُستخدمت من قبل المستشفيات، حيث تقوم بتعليم نفسها بنفسها، لتصبح أسرع وأكثر دقة في تشخيصها، وتكييفها للعلاج لكل شخص بعينه. والحقيقة، أن الحاجة إلى شخصنة الرعاية الطبية لا تنحصر فقط في معرفة الفروقات الشخصيّة الجينية، ولكن يتعدى ذلك إلى المكان الذي نعيش فيه، كالهواء الذي نتنفسه، والماء الذي نشربه، والبيت الذي نسكنه، والبيئة المحيطة بِنَا، والتي لها تأثير كبير على صحتنا وحتى على الحمض النووي نفسه. تقول ريسا لافيزو-موري، رئيسة مؤسسة روبرت وود جونسون، إن متوسط العمر المتوقع للطفل يعتمد على رمزه البريدي أكثر من شفرته الوراثية. ولكن المشكلة هي أن البيانات حول المكان والبيئة الَتِي نعيش فيها لا تجمع في الغالب. لكن من المتوقع أن نرى قريبا المزيد من دور الذكاء الاصطناعي في سبر غور بيانات البيئة المعيشية والاجتماعية للأشخاص بالإضافة للبيانات الوراثية، من أجل تقديم خدمة طبية أفضل. والواقع، أن دور الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على تقديم رعاية طبية أسرع وأفضل. ولكن قد يقوم بدور أخلاقي أيضا في حماية المرضى. على سبيل المثال، فإن 97% من فواتير الرعاية الصحية في هولندا تحتوي على بيانات رقمية بخصوص العلاج، والطبيب، والمستشفى. هذه الفواتير يتم استرجاعها بسهولة من قبل شركة محلية تقوم بتحليل بيانات الفواتير باستخدام «نظام واتسون» المصنع من قبل شركة «آي بي إم.» وبإمكان نظام واتسون اكتشاف الأخطاء الطبية المتكررة من قبل الأطباء في علاج نوع معين من الحالات. ويمكن تنبيه الأطباء لذلك لتحسين أدائهم وتجنب إبقاء المرضي لمدة أطول من المطلوب في المستشفيات، أو صرف أدوية لا داعي لها. ومع ذلك، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية أنشأ عددًا من التحديات حول القيم الأساسية المتمثّلة في المعايير الأخلاقية المتوقعة من المهنيين الذين يزاولون مهنة الطب، مثل الاستقامة، والحفاظ على السرية، واستمرارية الرعاية، وتجنب تضارب المصالح، وحق المريض في معرفة تفاصيل حالته. ويبقى التساؤل حول كيفية الحفاظ على أسرار المريض، وحقه في المعرفة في ظل تزايد الحاجة لتتبع المريض ورصد بياناته من قبل الطب المبني على الذكاء الاصطناعي. وكيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في العلاقة بين المرضى والأطباء وغيرهم من مقدمي الرعاية؟ وماذا يعني أن تقوم الآلة بالرعاية؟ وماذا سيكون تأثير ذلك على المرضى؟ وماذا سيبقى من دور للعمل التعاطفي، والارتباط الإنساني في عالم تجري فيه أتمتة الرعاية الصحية بشكل متزايد؟