كيف هو واقع الثقافة الرقمية وما طبيعة حضورها في خطاباتنا الثقافية؟ وكيف هي الجدلية التي أنتجتها الثقافة الرقمية بين إنتاج النص وتلقيه؟ وإلى أي مدى استطعنا إفراز صيغ نصية رقمية أم مازلنا سجناء لاجتهادات داخل حقلها الأدبي؟ عبر هذا الاستطلاع أخذنا آراء مثقفين مطلعين على الوضع الثقافي الراهن وخرجنا بالتالي: انتهاكات وفوضى بداية تحدث الناقد الدكتور عبدالله الفيفي عن واقع الثقافة العربية الرقمية وأثرها في الحراك الثقافي قائلا: لا يشكّ المتابع أننا على مشارف انقضاء حقبةٍ وميلاد أخرى، انقضاء حقبة الثقافة الورقيَّة وميلاد حقبة الثقافة الرقميَّة. وفي هذا الميدان تنكسر الحواجز، وتُتَخطَّى خطوط الرقابة. الثقافة الرقميَّة هي رهان الثقافة المعاصرة الحيّ، والمؤثِّر، لكن الخروقات الحقوقيَّة للملكيَّة الفكريَّة في عالمنا العربي أسوأ ما يواجه هذه الثقافة؛ ففوضى هذا المجال، وما تقع فيه من انتهاك حقوق وسرقات، كلّ ذلك ما زال دون وازع أو رادع. * وعن واقع التعليم الرقمي في المؤسسة التعليميَّة العربيَّة قال الفيفي: «لا يزال دون الدرجة المطلوبة بكثير والسبب أننا نعاني أُمّيّة رقميَّة، تشبه الأُمّيّة الكتابيّة إبّان الانتقال من العصر الشفاهيّ إلى العصر الكتابيّ. منذ أكثر من خمس عشرة سنة أصبحت الإفادة من النشر الرقم يتيح الكتاب للطالب والباحث، مجّانًا، مع تسهيل الوصول إلى مكتبات الجامعة وأوعية معلوماتها». وعن مستقبل الأدب الرقمي يرى «انه لا يزال مرهونًا بحالة التِّقانة العربيَّة المتواضعة، والقلقة، والمهدّدة بالتواري بين حين وآخر، لسببٍ أو لآخر، ومن جهة أخرى هو مرهون بمستوى الثقافة الرقميَّة لدى منتج النص ومتلقِّيه. وما لم تتأسّس أنظمة رقمية مأمونة، وتراعي الحقوق الفكريَّة والأدبيَّة، إلى جانب ثقافة رقميَّة إنتاجيَّة واستقباليَّة مناسبة، فلا ثقافة رقميَّة حقيقيَّة لدينا. وسيظلّ النشاط في هذا الميدان، إبداعًا ونقدًا، في إطار التنظير، واستشراف المستقبل المنشود، وغير المتحقِّق هاهنا والآن. جماليات مستترة وحول دعم الثقافة الرقمية للادب يرى الناقد الاكاديمي الدكتور خالد الغازي: «ان أثر الوعاء الرقمي على الأدب كبير فمن الناحية النظرية يمتاز الأدب - بحكم ملاصقته الدائمة للإنسان وتغلغله في مفاصل حياته - بالمرونة والطواعية للتمدد والتقلص بحسب مستجدات أنماط الحياة ومتغيّراتها. وعليه فإن الموقف المبدئي من مثل هذه التطوّرات يلائمه انفتاح الرؤية وتقبّل آفاق التجريب أكثر من التوجّس والتشكّك في إيجابية النتائج؛ لأن الأدب - فضلا عن تفلّته الطبيعي من إسار التنميط والتقييد والثبات- يملك - بسيميائه السحرية- الخاصية الحيوية التي يمتاز بها الكائن الحي: القابلية لترميم التصدّعات، وسرعة التعافي من الوعكات. فليمارس «شقاوته» الطفولية ليستكشف العوالم الجديدة، وربما تكشف التقانات الجديدة بأوعيتها المتداخلة وتقاطعاتها المحيّرة عن طاقات مخبوءة وجماليات مستترة في جسد الأدب لم نكن نعرفها. وعن اثر الثقافة الرقمية على المنتج الادبي والمتلقي أوضح الغازي «أن الأمر لا يخلو - دون شك - من إرباكات وردات أفعال متباينة في عشوائيتها وتنوّعها تجاه هذه الفوضى التي نرجو أن تكون خلّاقة؛ لأنها على المدى القريب والمتوسط ستحوّل المنتج الأدبي إلى (كرنفال) استعراضي، في أحسن الأحوال. فيختلط حابل المبدعين ونابلهم على المتلقي اما اثرها على المتلقي فقد كسرت قيود الوصاية الأبوية الأدبية وضربت (كارتلات) التصنيع الأدبي واحتكارات منابره ووسائل نشره، فهي - في المقابل - لن تعصم (سوق) التلقي الأدبي من طوفان العملة الرديئة، التي -غالبا- ستطمر العملة الجيّدة. لكن العزاء في النتيجة النوعية الأكيدة على المدى الطويل: ستصبح أمنية كل أديب: «لكي أسمعكم صوتي في مجتمع الأصوات» شيئا أقرب كثيرا إلى التحقّق، ستحمّل التقانة الرقمية الأديب مسؤوليته الكاملة أمام نفسه وأمام المتلقي في أن يقول ما يستحق السماع، بطريقة تأسر الأسماع.. تقنية عاليةاما عن الأدب الرقمي ومدى تشكله ادبا للمرحلة القادمة قال الروائي عبدالله الوصالي «حتى لا يبدو الأمر غامضاً أو نبدو وكأننا نتكلم عن مخلوق جديد، فالأدب الرقمي في مفهومي هو الأدب ذاته الذي استمر معنا منذ بدأ الإنسان احتراف الأدب، وتنقل في وسائط كثير من الأحجار والرقاع الى المخطوطات الجلدية الى أن دارت تروس المطبعة في القرن ما قبل الماضي، فكانت المطبوعات الورقية هي الوسيلة الأبرز التي استقر لديها الإنتاج الأدبي حتى زمن قريب في توصيل النتاج الأدبي الى الناس والمهتمين. والرقمية هي مجرد وسيط لنقل النتاج الأدبي عبرها. انتشار الشبكة العنكبوتية في العقد الماضي قاد الى سرعة التواصل بين مصدر الأدب ومستهلكه، وتسريع وتيرة الإنتاج الأدبي وثورة معلوماتية هائلة نزعت عن الأدب حالته الرومانسية السابقة التي ظلت تغلفه لقرون. ويتابع الوصالي «اتاحت وسائل التواصل الاجتماعي التي تُخْتَرع بين فترة وأخرى ومواصلة الموجودة منها تحسين تقنياتها، تغيير طبيعة أداء المنتج الأدبي واستهلاكه. هذه الوسائط الرقمية لديها القدرة على تكوين مجموعات ثقافية وأدبية من شتى بقاع العالم وصهرها في فضاء الكتروني موحّد، مما يسهل عملية التثاقف بين المدارس المختلف وانتقال الخبرات الثقافية والأدبية والإبداعية في ذلك العالم الافتراضي، وهذا امر سينتفع منه بلا شك أولئك الجادون والهادفون الى امتلاك القدرة الإبداعية الأدبية، غير أن من طبيعة الأشياء انها سلاح ذو حدين، فهذا الأدب الرقمي في بعضه هو في الحقيقة ادب منفلت من كل القيود واقصد بها الضوابط الفنية الإبداعية ومعاييره المهمة فلم يعد ذلك الكاتب مرغما على المرور عبر القنوات التقليدية ليحصل على إجازة (تصريح) في الكتابة او لقب من قبيل شاعر او قاص او روائي وغيره. غير أنه هذا امر لا يمكن تفاديه بل يجب ان يستغل الكاتب كل الفرص التي يتيحها هذا العالم الجديد. حشد جماهيري تهاني الصبيح أديبة وعضو مجلس إدارة نادي الأحساء الأدبي قالت: أي خطاب ثقافي حالياً لا يمكن أن يحظى بقبول جماهيري منقطع النظير إذا لم يدخل بين أروقة الثقافة الرقمية ويتربع على منصة الزائرين والزائرات في مواقع التواصل الاجتماعي ولا يمكن حصر أرقام ومراجع معينة يمكن اللجوء إليها لرواد الثقافة لكن محركات البحث تستطيع أن تجلب لك عرش المعلومة قبل أن تقوم من مقامك وبضغطة زر واحدة تتمكن من الحصول على حشد جماهيري ضخم قد يؤيد فكرتك أو يشتمها ويتبرأ منها.