هاتان الكلمتان تتسيدان مشهد «واتس آب» العظيم الذي تغلغل بين الأصابع والعيون والقلوب، وسرى في الناس أعظم بكثير جدا من «سريان النار في الهشيم» كما يقولون.. وقد يجرنا الحديث في هذا المقال عن «واتس اب» الذي نكتب عنه لأول مرة، ولكن دعونا نفرش الكلمتين الواردتين في عنوان المقالة، فأغلب المشاركات والمواد التي تنوء بها الأجهزة الذكية هي من فئة «منقول» و«كما وصلني».. طيب.. ما دورك أنت فيما نُقِل إليك.. وفيما وصلك؟ هل دورك «انسخ والصق وابعث».. فقط؟ أليس لك عقل يُميز، وفكر يُمحِص وأذُن تعي، وقلب يُبصر، وعين تشير، أم أنك لا تقرأ أصلا ما يبثه عليك «الواتس اب»؟ لا نُكران أن هناك الكثير من المواد «المنقولة».. يتم نقلها من باب انتشار المنفعة وإطلاع الأصدقاء على أمور جيدة وصالحة لكنها قليلة جدا.. قلة المنفعة نفسها.. فليس كل «منقول» مقبولا، وليس كل «كما وصلني» صالحا.. فقد يكون ذلك إشاعة، أو كذبة، أو تشويشا، أو غير ذلك.. كما قد يكون نميمة بغيضة.. فعلى المستلم التحقق من «كما وصلني» لا أن يهرع إلى ضخها في «مجموعاته»، وقائمته التراسلية. وعلى ذكر «مجموعاته» فأدعو بكل تأكيد إلى استخدام كلمة «مجموعة» و«مجموعات» بدلا من «قروب» و«قروبات».. فلغتنا ليست قاصرة على البديل والمعنى المقابل. كما تحضر هنا كلمة «سوشال ميديا».. فما الضير أن نقول وسائل الإعلام الاجتماعية، أو كما هي شائعة الآن.. وسائل وبرامج التواصل الاجتماعي؟.. فو الله ما أحلى لغتنا ومقابلاتها المعنوية للغات أجنبية..! نعم.. قل «قروب» و«سوشال ميديا» وغيرهما حين تتخاطب مع أجنبي لا يفهم لغتك.. لكن أن تقولها مع عربي مثلك فهذا هوان ومهانة، وحمق، وسوء تقدير لعربيتك.. مضت السطور السابقة لابسة حلة الوعظ والإرشاد والتوجيهات التي قد ينفر منها المرء بطبيعته.. لكن حين يتم فرش الكلمتين على بساط التأمل تجد أننا نعيش حالة عصرية مضطربة سلوكا ولغة وتصرفا ومعنى وعلما، وحالنا هذه تزيد من نفورنا، وتنافرنا، وها نحن نقرأ عن صور وحالات عديدة سببها «منقول» و«كما وصلني». أما برنامج «واتس اب» فإن بحثنا عن تعريب لاسمه.. فظاهر الكلمة بترجمتها المعنوية لا الحرفية يعني: «ما الجديد؟» وهو في رأيي القاصر أقرب معنى، وأكثر اطمئنانا في ترجمته، ولكن تلاقينا كلمة «app» في الجزء الثاني من الكلمة وهي اختصار لكلمة «application»، وتعني ترجمتها: «تطبيق، أو طلب أو استخدام».. مما ينفي ترجمتها ب«ما الجديد» فتكون الترجمة لكلمة «واتساب»: خدمة المعرفة المعنوية المطلوبة.. ولكن إلى التعريب الأول أجدني أميل.. تلكم كانت محاولة «اجتهادية» لتعريب الكلمة، لا أزعم بتفردي بها، فقد يعرفها الآن أصغر أبنائنا في المرحلة الابتدائية.. وبرنامج «ما الجديد»، أو«واتساب».. استطاع أن يتربع على قلوبنا ويهيمن على أوقاتنا وبرنامجنا اليومي، بكل إغراء وحب وقوة لا طاقة لنا على تركه أو تجاهله أو حتى الصبر على فراقه لدقائق محدودة.. وهو فيما هو فيه من الغث والسمين ومن «منقول» و«كما وصلني» و«انشروا تُأجروا» و«أرجوك لا تدعها تقف عندك» و«أمانة عليك ارسلها لمن تحب» و«إن كنت لا تصدق فذنبك على جنبك»، وغيرها من هذه الخزعبلات والترهات، والاستجداءات التافهة.. إن مخترع هذا البرنامج وغيره من برامج التواصل الاجتماعي لم يقم بذلك من أجل كل هذه «الهذرة»، والمطولات العربية والمشاركات غير المفيدة، التي تأخذ من الوقت الكثير، بل أوجدها لتكون وسيلة تواصل لكل ما هو عملي ومفيد، ولا بأس أن يكون ترفيهيا وممتعا في حدود المعقول. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم. قارورة: رآكِ فؤادي قبل عيني فأشرقت شُموس بِرُوحي لا تغيبُ، وترقُدُ بِربِكِ هل أمضي بشوقي، وقصتي وأعزفُها لحنا يرن، ويُنشِدُ؟ حملتُ معي عُشق النخيل بخافقي إليكِ، ولا شيء سِوى النخل يشهدُ