تواجه شركات النفط العالمية حالياً وفي السنتين الأخيرتين مشاكل هائلة اصبحت تهدد كيانها فلقد انخفضت اسعار النفط من متوسط 100 إلى اقل من 50 دولارا للبرميل، وهذا ما جعلها تقلص من استثماراتها وتستغني عن خدمات الكثير من موظفيها وعن خططها التوسعية للمستقبل. وسيلقي هذا بظلاله السلبية على انتاج النفط العالمي في السنتين القادمتين. فالشركات المنتجة تواجه اخطاراً لا تسمح لها بالاستثمار بحقول جديدة واما الحقول العاملة فهي تجهد وتتقادم وهذا سيؤدي إلى خفض انتاج النفط وتقليص الامدادات العالمية في المستقبل القريب. وعلى سبيل المثال انخفض انتاج شركة اكسون من 5 ملايين برميل باليوم في يناير 2011م إلى 3.8 مليون برميل باليوم في الربع الثالث من عام 2016م. هذا بالاضافة إلى اعلانها الاخير بأن احتياطياتها النفطية قد انخفضت بحوالي 4.6 مليار برميل لعدم جدوى الانتاج من هذه الحقول وهذا يشكل حوالي خمس احتياطياتها المؤكدة. والجدير بالذكر ان معظم هذه الاحتياطيات هي للزيت الرملي الكندي غير التقليدي والذي يتميز بارتفاع كلفة الانتاج. وهذا يعد منحى خطيراً لصناعة النفط بالعالم وهو التخلي عن الانتاج باهظ الكلفة مثل الزيت الرملي والصخري والحقول التي تتواجد في اعماق البحار. والحقيقة ان هذا الوضع يعطي منتجي النفط في اوبك افضلية صريحة على المنتجين في امريكا الشمالية التي اصبح حوالي 40% منه انتاجا غير تقليدي مرتفع التكاليف. وفي نفس السياق وفي ظل الظروف الحالية التي يشهدها هذا العام، اعلنت شركات النفط العالمية ارباحها للربع الثالث وكانت معظمها غير ايجابية وبعضها كارثية. واستطاعت بعض الشركات العملاقة الهروب من الخسائر بسبب تنوع اعمالها وقوة ادارتها وتوقعاتها الذكية التي ساعدتها على تقليل المخاطر مثل شركة اكسون موبيل. وحتى الشركات المساندة لاعمال النفط عانت كثيرا بسبب الانخفاض باسعار النفط، وعلى سبيل المثال قررت شركة بيكر هيوز الاستغناء عن 2000 موظف في الربع الثالث 2016م في محاولاتها لخفض الخسائر واما شركة فاركو الأمريكية لأنظمة الحفر فلقد استغنت عن 27 الف موظف في اخر سنتين ومع ذلك فلقد اعلنت عن 1.4 مليار دولار خسائر للربع الثالث 2016م فقط. ولقد اعلنت كل من شلمبيرجير وهاليبرتون عن ارباح متواضعة جدا تكفي لوقف حملة الاستغناء عن الموظفين في كلتا الشركتين ولكنها لا تعد بمستقبل مشرق. وجاء اعلان عملاق النفط الامريكي اكسون موبيل قبل ايام عن نتائجها للربع الثالث مخيباً للامال اذ اعلنت ربح 2.6 مليار دولار فقط وهي حوالي نصف ارباح الربع الثالث لعام 2015م والتي بلغت انذاك حوالي 4.24 مليار دولار. والجدير بالملاحظة ان ارباح الربع الثالث لعام 2015م كانت ايضاً تعادل نصف ارباح الربع الثالث من عام 2014م والتي كانت حوالي 8.1 مليار دولار. وهذا يشير بوضوح إلى ان ارباح اكسون والتي تعد مؤشراً مهماً جدا لصناعة النفط بأمريكا وخارجها تنخفض كل سنة بحوالي 50% مع بدء الانخفاض باسعار النفط في منتصف 2014م. واذا استمر نفس النهج في العام القادم فقد تصل اكسون إلى نقطة الصفر التي تتساوى فيها المبيعات مع المصروفات وبعدها تبدأ رحلة الخسائر في 2018م ان لم ترتفع اسعار النفط. ويكفي ان نعلم ان ارباح الربع الثالث لاكسون في 2011م كانت 10.3 مليار دولار والان تربح 2.6 مليار دولار بسبب عملياتها ونشاطاتها خارج امريكا. وبتحليل سريع لنتائج اكسون الاخيرة، استطاعت اكسون ان تربح حوالي 6.1 مليار دولار في التسعة اشهر الاولى من 2016م وهي اقل من ارباح نفس الفترة للعام 2015م بحوالي 54%. ولكن من المهم الاشارة إلى العوامل التي ساعدت اكسون على تجنب الخسائر على الرغم من الانخفاض الكبير باسعار النفط والغاز والتي تعتبر اكسون من اكبر المنتجين لهما بالعالم. خسرت اكسون من اعمالها بانتاج النفط والغاز في اول تسعة اشهر من هذا العام حوالي 1.8 مليار دولار وكانت اسعار النفط الامريكي قد سجلت معدل 42 دولارا واسعار الغاز حوالي 2.4 دولار للمليون وحدة حرارية وهذا يعني ان هذه الاسعار اقل من كلفة انتاجها بالنسبة لاكسون. وهذا يصور الحالة الصعبة التي تعيشها صناعة النفط والغاز بأمريكا. واما قطاع انتاج النفط والغاز لاكسون خارج امريكا فلقد ربح حوالي 2.7 مليار دولارعن نفس الفترة. اي ان انتاج اكسون للنفط بالشرق الاوسط وروسيا والغاز بافريقيا واسيا قد ساهم بتخفيض اعباء خسائر اعمالها في امريكا الشمالية. ولكن اهم ما ساعد اكسون بتلافي الخسارة في 2016م هي اعمال التكرير والبتروكيماويات فلقد ربح قطاع التكرير باكسون حوالي 3 مليارات دولار وربح قطاع البتروكيماويات حوالي 3.7 مليار دولار عن التسعة اشهر الاولى لهذا العام. ومن المعلوم ان شركة اكسون هي اكبر شركة تكرير بالعالم ولقد ارتفعت ارباح قطاع البتروكيماويات في الشركة عن نفس الفترة من العام الماضي بحوالي 20% وهذا يؤكد ضرورة تنوع اعمال الشركات الكبيرة. ويمكن للمراقب القول ان عمل اكسون بصناعة تكرير النفط وانتاج البتروكيماويات قد انقذها من الوقوع ضحية انخفاض اسعار النفط والغاز الطبيعي بالعالم. ولكن وعلى النقيض من اكسون تخلت شركة كونوكو فيليبس عن قطاع التكرير وباعت شركة فيليبس 66 واصبحت كونكو فيليبس شركة انتاج نفط وغاز فقط. وهذا يعني ان اسعار النفط والغاز الطبيعي هما فقط من يحدد ارباحها ومستقبلها وهذا من الاخطاء الاستراتيجية التي وقعت بها كونوكو. ولقد اعلنت كونوكو فيليبس عن خسارة مليار دولار بالربع الثالث وعن خسارة 3.6 مليار دولار عن تسعة الأشهر الاولى من هذا العام. بينما اعلنت شركة فيليبس 66 والتي كانت جزءاً من كونوكوفيلبيس الام عن ارباح بقيمة 1.4 مليار دولار عن التسعة اشهر الاولى من هذا العام وكانت ارباحها لنفس الفترة من عام 2015م 3.5 ملياردولار. وهذه الارقام غنية عن التعليق فالصورة واضحة وهي ان صناعة التكرير تحمي الشركات النفطية عند انخفاض اسعار النفط بينما يقوم قطاع انتاج النفط والغاز بحماية الشركة المتكاملة (انتاجا وتكريرا وبتروكيماويات) عند ارتفاع اسعار النفط العالمية. وكما نشاهد فان لاسعار النفط دورات وظروفا لا يمكن تلافيها وبهذا فان الشركات الكبيرة بحاجة إلى القطاعين للنمو والاستمرار. واما شركة شيفرون وهي ثاني اكبر منتج للنفط بامريكا فلقد اعلنت عن ربح 1.3 مليار دولار منها 1.1 مليار دولار من صناعة التكرير والبتروكيماويات. ولكن وصل مجمل نتائج اعمالها عن تسعة الاشهر الاولى من هذا العام إلى خسارة 900 مليون دولار بعد ان ربحت بنفس الفترة من عام 2015م 5.2 مليار دولار. تورطت شيفرون في مشاريع الغاز المسال الاسترالية وبانخفاض اسعار الغاز بالعالم وهذا سينعكس على استثمارات شيفرون المستقبلية. وتحاول الشركة حاليا الحصول على المال عن طريق بعض الاصول مثل عرضها لبعض مصافيها للبيع. وفي الختام يمكننا القول ان اهم ما يقلق هذه الشركات ويهدد حتى وجودها هو اسعار النفط وهل سترتفع في المستقبل القريب. قد تؤدي الازمة الحالية إلى ظهور حالات اندماج واستحواذ بين الشركات لتخفيض النفقات فيمكن ان تختفي احدى الشركات الكبيرة بسبب سوء ادائها او سوء استثماراتها. وعلى سبيل المثال لو استمرت اسعار النفط اقل من 30 دولارا للبرميل لمدة عام لاقفلت نصف صناعة النفط بامريكا الشمالية ولانهار عدد من الدول المنتجة التي يعتمد اقتصادها بصورة كبيرة على عائدات النفط.