توقعت ادارة معلومات الطاقة الامريكية ان يكون متوسط سعر الخام الامريكى هذا العام 38.5 دولار للبرميل وحوالي 40 دولارا لبرميل برنت. كما توقعت الادارة الامريكية سعر البرميل عند 47 دولارا للخام الامريكى و50 دولارا لخام برنت فى عام 2017م، وفى ضوء هذه الانخفاضات الكبيرة يتساءل المرء : ما تأثير الأسعار المنخفضة على صناعة النفط الامريكية على وجه الخصوص؟ وكما يعلم الجميع ان صناعة النفط والغاز فى أمريكا قد غيرت الكثير من الثوابت فى صناعة النفط والغاز، إذ إنها طورت التقنيات التى تجعل من النفط والغاز غير التقليدى مجدياً تجارياً. ولهذا ارتفع انتاج امريكا من النفط غير التقليدى بحوالي 5 ملايين برميل في اليوم، وارتفع ايضاً انتاجها من الغاز الطبيعي وسوائل الغاز الى درجة أحدثت خللاً واضحاً وظاهراً فى الأسواق العالمية سواء النفط أو حتى الغاز الذى سيتم تصديره قريباً كغاز طبيعي مسال الى جميع انحاء العالم. لكن يبقى عامل شديد الأهمية بالنسبة لانتاج امريكا من النفط الخام وهو تكلفة الانتاج وهذا هو آخر التحديات لصناعة النفط الخام فى امريكا، إذ يقترب الفارق بين تكاليف انتاج برميل النفط الصخري بامريكا وانتاج برميل النفط فى الدول المطلة على الخليج العربى الى حوالي 20-40 دولارا للبرميل، وهذا ما يجعل صناعة النفط الصخري فى امريكا ضعيفة وشديدة الحساسية والارتباط بأسعار النفط العالمية، إذ إنها لا تستطيع الاستمرار والبقاء الا اذا كان سعر البرميل يتراوح بين 45-55 دولارا. لكن ومع الهبوط الكبير في أسعار الطاقة بالعالم ووصولها الى مستويات اقرب الى القاع، بدأ يظهر بعض التراجع والافلاسات في صناعة النفط الامريكية والانتاج غير التقليدي داخل الأراضي الامريكية. ولقد أعلنت معظم شركات النفط نتائجها للعام 2015، وجاءت معظم النتائج قريبة من التوقعات، أداء باهت لقطاع انتاج النفط والغاز، وأداء رائع لقطاع التكرير والبتروكيماويات. لكن يجب أن نتذكر أن متوسط أسعار عام 2015م أعلى بكثير من الأسعار الحالية. ولقد سجل متوسط سعر النفط فى امريكا عام 2015م حوالي 49 دولارا للبرميل، وأسعار برنت تأرجحت حول 52 دولارا للبرميل. ومن أجل دراسة تأثير هذه الأسعار على اقتصاديات الانتاج الامريكى - ولو بشكل مبسط - يمكن مراجعة نتائج اكبر الشركات الامريكية فى هذا المجال. وتعد شركة اكسون موبيل اكبر شركة أمريكية فى مجال النفط والغاز، وقد تراجع اجمالي أرباح الشركة من 32 مليار دولار عام 2014م الى 16 مليار دولار فى العام 2015م، لكن كانت المفاجأة ان قطاع انتاج النفط والغاز فى شركة اكسون داخل الولاياتالمتحدة قد تكبد خسائر بأكثر من مليار دولار مقابل ربح حوالي 5 مليارات دولار فى العام 2014م. ولقد وصل معدل انتاج اكسون للنفط الخام بشكل عام الى حوالى 2.3 مليون برميل في اليوم منها حوالي نصف مليون برميل في اليوم يتم انتاجه داخل الولاياتالمتحدة. رفعت اكسون انتاجها للخام من كل مناطق العالم بحوالي 200 الف برميل، لكن لم ترفع الانتاج من داخل الاراضي الامريكية بأكثر من 20 الف برميل في اليوم مقارنة بالعام 2014م. اذاً تنتج شركة اكسون حوالي نصف مليون برميل في اليوم من النفط من الاراضي الامريكية وحوالي نصف مليون برميل نفط مكافئ في اليوم من الغاز الطبيعي، وهذا يعني ان انتاج اكسون من النفط والغاز من الاراضي الامريكية يقترب من مليون برميل نفط مكافئ في اليوم. ولقد وصل معدل سعر الخام بالأسواق الامريكية العام الماضى الى حوالي 49 دولارا، وهذا يعني ان اكسون قد حصلت على حوالي 9 مليارات دولار من بيعها الخام الامريكى بامريكا وباعت ايضاً حوالي 0.5 مليون برميل في اليوم نفطا مكافئا من الغاز، وحصلت لقاء بيعها الغاز المنتج بأمريكا على حوالي 2.2 مليار دولار، أي انها حصلت لقاء انتاجها النفط والغاز بأمريكا على حوالي 11.2 مليار دولار العام الماضى. وكان من المفترض ان تحصل على 12.5 مليار دولار على اقل تقدير حتى لا تحقق خسائر. الجدير بالذكر ان معدل أسعار الغاز الطبيعي بأمريكا العام الماضى وصل الى حوالي 2 دولار للمليون وحدة أي ما يعادل 12 دولارا لبرميل النفط المكافئ. وبالنظر والتدقيق الى نتائج اكسون المعلنة للعام 2015م يتضح ان انتاج الخام والغاز داخل امريكا قد حقق خسائر تقدر بأكثر من مليار دولار، وهذا يشرح لنا الموقف بأمريكا بوضوح وهو انه لا يمكن لشركات انتاج النفط الخام ان تحقق أرباحا داخل الاراضى الامريكية اذا اكانت الأسعار تحت 50 دولارا، وهذا ما حصل لاكسون، إذ خسرت اكثر من مليار دولار من عملياتها فى انتاج النفط والغاز بالأراضي الامريكية. وبسعر 55 دولارا للنفط الخام الامريكي تصبح عمليات اكسون فى أمريكا دون خسارة أو ربح اذا استقر سعر الغاز في أمريكا عند 2 دولار للمليون وحدة حرارية. وحتى شركة شيفرون التى تعد ثاني اكبر شركة نفط أمريكية قد خسرت جراء عملياتها من انتاج النفط والغاز داخل الاراضي الأمريكية في عام 2015م حوالي 4 مليارات دولار. ولقد انتجت شيفرون فى عام 2015م حوالي نصف مليون برميل في اليوم من الخام من داخل الأراضي الامريكية وبزيادة 50 الف برميل في اليوم عن انتاج 2014م. أما شركة كونوكوفيليبس التي تخلت عن صناعة التكرير لصالح شركة فيليبس 66، فقد أعلنت عن خسائر تاريخية في الربع الرابع من العام 2015م تقدر بحوالي 3.5 بليون دولار، وحوالي 4.4 مليار دولار لاجمالي العام 2015م كما يعرض الشكل. وقالت الشركة : إن معدل الأسعار في الربع الرابع لعام 2015م كان حوالي 35 دولارا لكل برميل نفط مكافئ مقابل حوالي 65 دولار للربع الرابع من العام 2014م. وفي الختام : لا شك في ان النتائج المعلنة لأهم الشركات الامريكية فى انتاج النفط والغاز تظهر مدى الضرر الذى تسبب فيه هبوط أسعار النفط لهذه المستويات. ولولا صناعة التكرير والبتروكيماويات التى أنقذت شركتي اكسون وشيفرون لأصبح وضعهما سيئاً جداً، واذا استمر هبوط أسعار النفط لفترة أطول فان هذا قد يستدعي تدخل الحكومة الامريكية لحماية الشركات الكبرى من الافلاس. باختصار تتوقع ادارة معلومات الطاقة الامريكية ان يسجل سعر الخام الامريكى حوالي 38 دولارا للبرميل في عام 2016م واذا ما استمر سعر الغاز الطبيعى في امريكا عند 2 دولار للمليون وحدة حرارية فان اكسون قد تخسر جراء عملياتها فى امريكا حوالي 3 مليارات دولار فى هذا العام. أما شيفرون فقد تضاعفت خسارتها من انتاج النفط والغاز داخل امريكا، وهذا يشرح بوضوح وضع صناعة النفط والغاز فى امريكا والمستقبل الغامض الذى ينتظرها، إذ لم يكن أشد الناس تشاؤماً يتوقع ان تهبط الأسعار الى اقل من 30 دولارا للبرميل. استطاعت امريكا ان ترفع انتاجها من النفط والغاز بشكل غير مسبوق وفي زمن قياسي فانخفضت الأسعار وحصل خلل في الأساسيات الاقتصادية للعرض والطلب، وهذا ما خلط الاوراق ليس في أمريكا وحدها، بل امتد اثره الى كل أنحاء العالم.