جزء لا يُستهان به من حديث النخب الإعلامية العربية والسعودية يدور منذ شهرين حول مُستجدات العلاقات السعودية - المصرية، وتناول ابرز السيناريوهات المستقبلية مع وضوح درجة التفاوت في الاحكام والتقييم حسب اختلاف الخلفيات الفكرية والمصالح الشخصية، فهناك من يقول بوجود (برود) في العلاقات وهناك من يجزم بوجود (خلاف جدي) وهناك من يرفع السقف لدرجة (التوتر) وخاصة فيما يخص التعامل مع ملفات السياسة الخارجية. بداية لا بد من التسليم بأن هناك (أزمة) إذ لم يُعد هناك سبيل لنفي وجود أزمة في العلاقات بين الرياضوالقاهرة، وهو ما ينبغي على البلدين السعي إلى معالجته فالاختلاف أو الخلاف السعودي - المصري يدور منذ سنوات حول تقدير الوضع في سورية وخاصة فيما يتعلق بدعم المعارضة السورية ومستقبل بشار الأسد، كما أن هناك اختلافا فيما يتعلق بالتعاطى مع الملف العراقي ففي الوقت الذي ترى الرياض أن مصدر التهديد الأول والوحيد للعراق هو السياسات الطائفية التي تتنامي بسبب التدخل الإيراني، ترى القاهرة أن التدخل التركي في شمال العراق هو مشروع لا يقل خطورة عن التدخل الإيراني في الشأن الداخلي العراقي، وهنا وإذا افترضنا وجود خلافات آنية في المواقف تجاه الملفات الإقليمية، فليس من الصالح العربي تأجيجها ومنح أطراف الفرصة لتعميق وتضخيم الاختلاف والخلاف الثنائي لتحقيق هدفها الأساس وهو إسقاط النظام المصري وإدخال مصر في الفوضى -لا سمح الله-. طوال أشهر لم يصدر أي موقف سعودي رسمي تجاه مصر وجميع المواقف الأخرى جاءت غير رسمية وعبر مقالات لكتاب معروف عنهم توجهاتهم الوطنية، وكانت تحمل عتابا علنيا تجاه السياسة الخارجية المصرية وتجاه بعض مواقف الإعلام المصري غير الودية وصمت السلطات المصرية عن أشخاص محسوبين عليه تعمدوا الإساءة إلى المواقف السعودية، وهذا الطرح يقابله طرح آخر يغلب عليه النوايا غير الحسنة، حيث تضخ دول وتنظيمات وأحزاب سياسية ومؤسسات وافراد ملايين من الدولارت وتستثمر في عشرات الاكاديميين والإعلاميين والسياسيين، ومهمتهم هي السعي لتحقيق الهدف الاساس لديهم وهو اسقاط النظام المصري. وهذا الطرح انساق له - للأسف - عدد من الكتاب والمحللين السياسيين السعوديين وفي قنوات عربية أو ممولة سعوديا، دون مراعاة لإستراتيجية العلاقات بين القاهرةوالرياض، حيث إن العلاقات عبر عقود (تمرض أحيانا، لكنها لا تموت)، كما أن أمن واستقرار مصر في ظل انهيار الاوضاع في العراق وسورية ولييبا يجعل أي اختلافات أو خلافات هامشية أمرا يمكن تأجيل النقاش حوله. وبعد تصويت مصر لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن تحديدا انطلقت حملة سياسية وإعلامية لإثبات أن هناك خلافا علنيا بين السعودية ومصر، وجاء الموقف الرسمي من القاهرة على لسان الرئيس المصري في 13 أكتوبر عبر قوله (علاقاتنا بالسعودية والخليج وطيدة ولن يستطيع أحد التأثير فيها) تلاه تصريح لمساعد وزير الخارجية المصرية للشؤون متعددة الأطراف والأمن الدولي، حاول فيه القول إن الوفد المصري ينتهج سياسة تقوم على الاستقلالية عن مواقف القوى الكبرى، والاحتفاظ بمسافة مناسبة عن حالة الاستقطاب السائد في المجلس. البعض يسأل هل العلاقات السعودية المصرية قائمة على العواطف أو المصالح؟ والإجابة إن العلاقات خاصة وهي أقرب (للعلاقات غير المصلحية) فالاستثمار الدائم في استقرار مصر وفي الشعب المصري والصبر على بعض السياسات المصرية هي سياسة سعودية قديمة أسسها الملك المؤسس عبدالعزيز - رحمه الله- فعندما تم سؤاله بعد ثورة يوليو 1952 (هل أنت مع الملك فاروق أو مع الرئيس محمد نجيب؟) كان جوابه العفوي والسياسي (المملكة العربية السعودية وأنا مع الشعب المصري). ختاما.. فالصبر السعودي تجاه السياسات المصرية يظل إستراتيجيا، ولكن يجب ألا يساء فهم ذلك من الأشقاء في مصر، فللصبر حدود أيضا.