احتفلتْ الدوائر المقربة من إيران بإعلان الشيخ سعد الحريري ترشيحه للجنرال ميشيل عون لسد شغور الكرسي الرئاسي في لبنان، والذي مضى على فراغه ما يقارب العامين، نتيجة تعنت الأطراف اللبنانية وبالذات «حزب الله» والموالون له ضد تغليب مصلحة لبنان على مصالحهم الشخصية وولاءتهم الإقليمية. الحريري يقول في معرض تبريره للإذعان لرغبة الحزب وجمهوره إنه يريد أن يحافظ على ما تبقى من الطائف، رغم أنه من الواضح أنه يقامر بشارعه الذي بات انقسامه واضحا وجليا من خلال تفتت الجمهور الطرابلسي على وجه التحديد خلف عدد من القيادات، رغم أنه حتى في ترشيحه لفرنجيه المحسوب هو الآخر على دمشقوطهران واطرادا حزب حسن نصر الله، لم ينزع يده من حق خصومه في هذا الموقع، لكن سلاح الحزب الذي طالما كان هو موجّه صناعة القرار في لبنان كان على الدوام هو الذي يفرض شروطه، واحتفال فريق الثامن من آذار بترشيح الحريري لعون، والذي بلغ صداه دمشق رغم انشغالها في قتل شعبها وسحق حلب، والعمل بقوة على تغيير ديموغرافية المعضمية ودوما وغيرها من البلدات والمدن السورية، وكذلك احتفال العاصمة الإيرانية التي بشّرت بعهد جديد لانتصار المقاومة كما تدّعي؛ يضع أمامنا المزيد من علامات الاستفهام عن القادم في لبنان مع تغيّر المشهد السياسي، رغم اعتراض برّي وتلويحه بأنه سيبقى في المعارضة، وهو التلويح الذي لا يزيد عن الرغبة في التمايز عن مواقف الآخرين، بحكم أنه لن يستطيع أن ينفك تماما من تحالفه مع الحزب والذي يستطيع أن (يمون) عليه في نهاية الأمر. مما يعني أن لبنان أصبح على أعتاب مرحلة جديدة، فإما أن يسلّم رقبته تماما لطهران وحلفائها، وإما أن يُثمّن تنازل زعيم المستقبل ليحتفظ بما تبقى له من استقلالية بحماية تعدده، واحترام كافة مكوناته، وعدم الزج بها في تلك الولاءات التي جعلت إيران تصول وتجول في عدد من عواصم العرب بفعل اختطاف السلطة فيها من قبل البعض. والسؤال الآن إزاء مبادرة الحريري بعد ترشيح عون، والذي كان يُعتقد فيما مضى زورا وبهتانا أن الرياض هي من يحول دون وصول الجنرال إلى قصر بعبدا عبر الضغط على الحريري، وإزاء ما وصفه البعض بأنه تنازل شجاع من الحريري حماية للبنان من الضياع والانفلات نتيجة تراكم المشاكل، وعجز حكومة الضرورة عن حلها، هل سيستوعب الطرف الآخر، والذي بدأ يستشعر الانتصار، ويتغنى به دون أن يقدر ثمن هذه التضحية الكبيرة من أجل لبنان؟، وهل سينتقل ذلك الطرف للتفكير بلبنان الوطن، أم سيبقى يجيّر هذه المتغيرات على اعتبار أنها تفوق طرف على آخر، وانتصار مشروع ما يسمى بالمقاومة على المشروع المقابل؟. إن ما يُخشى منه، وما سبق أن حذرت منه الخارجية السعودية مرارا من أن يتحوّل هذا البلد إلى غرفة عمليات لطهران إن هو قبل بهذا الترشيح كهزيمة لمشروع منافس دون أن يُقدّر أنه تنازل بشكل أو بآخر لحماية ما تبقى من لبنان، وهذا ما يجب أن يدركه ساسة لبنان الذين يلزم أن يستوعبوا أن طهران لن تفضلهم على الحزب الذي يضع سلاحه في نحورهم ما لم يكونوا أكثر ولاء وإذعانا لها.