من بين المستثمرين وخبراء الاقتصاد الذين يدرسون الصين، ليست هناك حجج أكثر إثارة للجدل من النمو، وبشكل أكثر تحديدا، كيفية قياسه. رسميا، كان اقتصاد الصين ينمو بمعدل سنوي يقارب 10 بالمائة خلال العقود الثلاثة الماضية. لكن الكثير من المحللين سيقولون: إن تلك الأرقام متفائلة جدا. لماذا ينبغي أن يكون هذا الحوار مهمًّا؟ في النهاية، علينا أن ندرك أن الصين عملت على انتشال مئات الملايين من الأشخاص من براثن الفقر خلال السنوات الأخيرة، في الوقت الذي تبني فيه ذلك النوع الجديد البراق من البنية التحتية التي تجعل الغرب يحسدها عليه. ما إذا كان الناتج المحلي الإجمالي قد توسع بنسبة 10 بالمائة سنويا أو 9 بالمائة لا ينبغي ألا يكون أمرا مهما جدا - في كلتا الحالتين، أليست الأمور أفضل الآن؟ المشكلة تكمن في أن الناتج المحلي الإجمالي هو بكل بساطة ليس مقياسا للنمو. بل هو أحد المقاييس المستخدمة على نطاق واسع للحصول على فهم أفضل للاتجاهات الاقتصادية، آخذا المخاطر بعين الاعتبار، واتخاذ قرارات حاسمة في مجال الاستثمار والشركات. في الصين، يعمل هذا على خلق نوعين من التشوّهات، أولهما: إذا كان هنالك خلل في بيانات الناتج المحلي الإجمالي، ربما تكون تلك المقاييس تعمل بشكل كبير على تقليل أهمية المخاطر. وثانيهما: حتى لو كانت البيانات دقيقة، تختلف الصين بطرق حاسمة عن اقتصادات البلدان الأكثر تقدمًا - والمقاييس المرتبطة بالناتج المحلي الإجمالي يمكن أن تكون نتيجة لذلك مضللة. لنأخذ أحد المقاييس الأكثر شيوعًا والخاصة بالمخاطر الائتمانية الخاصة ببلد ما، وهو نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي. في حالة الصين، إذا قبلنا بالأرقام الرسمية، وصلت الديون إلى نسبة 255 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام الماضي. ومع ذلك، إذا قدّم شخص ما الافتراض (المعقول جدا) المتضمن أن الناتج المحلي الإجمالي الفعلي كان أقل من الأرقام الرسمية بنسبة 10 بالمائة، تصل نسبة الديون إلى 283 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبعبارة أخرى، حين لا تكون هناك تغييرات فعلية وحقيقية، ازداد وضع المخاطر في الصين سوءًا بشكل كبير. ولهذا آثار تترتب على الجهات التنظيمية والمستثمرين في جميع أنحاء العالم. المجموعات مثل صندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولية ترصد عادة مستويات الديون بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي عند تقييمها مخاطر الائتمان في بلد معيّن. وحيث إن الائتمان ينمو في الصين بمستوى يقارب ضعف سرعة نمو الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة، فإن هذه الجهات تدق ناقوس الخطر. ومع ذلك، نظرا للتضخم المزمن في الصين، كان الدين آخذا في الارتفاع بشكل أسرع حتى عند قياسه مقابل التدفق النقدي. منذ (يونيو) من عام 2013، ارتفعت الإيرادات التشغيلية للشركات المدرجة في الصين بنسبة 13.6 بالمائة، أقل بكثير من 24 بالمائة النسبة التي نما بها الناتج المحلي الإجمالي الرسمي خلال الفترة ذاتها. في الوقت نفسه، نمت الخصوم بنسبة 49.7 بالمائة. من خلال هذا المقياس، ربما يكون كل من صندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولية يعملان على التقليل من شأن المخاطر إلى حد كبير. لنفترض الآن أن الأرقام الرسمية في الصين صحيحة. لا يزال هنالك سبب للاعتقاد أن المقاييس المرتبطة بالناتج المحلي الإجمالي هي فكرة مغلوطة من أساسها. على سبيل المثال، يستخدم نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عادة لتقييم القدرة الاستهلاكية. وهذا أمر معقول عادة: حيث يشكّل دخل الأسر ما يقارب 90 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في الولاياتالمتحدة، وبالتالي يكون نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بديلا جيدا جدا للتعبير عن القدرة الشرائية. لكن في الصين يشكل الدخل القابل للتصرف ما نسبته 44 بالمائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، لأن مثل هذا الجزء الكبير من النمو يأتي من الاستثمار في الأصول الثابتة الذي لا يصل إلى الأسر المعيشية. نتيجة لذلك، يمكن للشركات أن تبالغ بشكل هائل في تقدير قدرة المستهلك الصيني في الإنفاق والاقتراض. سأعطيكم مثالًا واحدًا، اختارت شركة يام للعلامات التجارية، مالكة بيتزا هات وكي إف سي، بيع فرعها في الصين بعد أن أفادت بوجود ضعف في مبيعات المتجر نفسه خلال الربع الثالث من عام 2015، مقارنة مع ما يقارب 7 بالمائة من نمو الناتج المحلي الإجمالي الرسمي. مع ذلك، يبين مؤشر تسينغهوا يونيون باي لمستشاري المطاعم وخدمات تقديم الطعام، حدوث انخفاض في الإقبال على جميع المطاعم خلال النصف الثاني من عام 2015، بالمقارنة مع العام السابق. بالتالي فإن نمو مبيعات متجر يام نفسه بنسبة 2 بالمائة لا يفترض فيه أن يكون مخيبا للآمال، على اعتبار أنه تفوق في أدائه على السوق. تجارة العقارات تقدم لنا مثالًا آخر مهما. يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المناطق الحضرية أكثر من 100 ألف يوان سنويا في بكين، الذي يعادل حوالي 50 ألف يوان من نصيب الفرد من دخل الأسرة. إذا قمنا بحساب مخاطر أسعار المنازل عند استخدام بكين لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، نحصل على نسبة تصل إلى 40 من نسبة الدخل إلى السعر، بناء على متوسط لسعر المنزل يصل إلى 48 ألف يوان لكل متر مربع. ومع ذلك، إذا استخدمنا مقياسا أفضل - دخل الأسرة، أو الأموال النقدية المتوافرة لدى الناس لتسديد الديون - تصل تلك النسبة إلى أكثر من 80، ما يشير إلى وجود سوق عقارات أكثر خطورة بكثير مما يمكن أن يدركه الكثير من المستثمرين. الخطأ، في كل حالة، يكمن في نسيان أن الناتج المحلي الإجمالي لا يدفع رواتب الموظفين ولا يقوم بتسديد الديون. إنه رقم وهمي. والتدفقات النقدية هي المهمة عند شراء لوازم مكتب، أو التسديد للبنك أو دفع الرواتب. وكذلك التدفقات النقدية هي ما ينبغي على المستثمرين والمحللين أخذه بعين الاعتبار. حين ندقق في البيانات الاقتصادية في الصين، يمكن أن تكون المقاييس المعروفة غير موثوقة. في أحيان كثيرة، يقبل المستثمرون الأرقام الرسمية ولا يسألون إن كانت هي أفضل الموجود. صحيح أن الناتج المحلي الإجمالي مهم في الصين. ولكنه ليس كل شيء.