وصف الدكتور أحمد رضوان أستاذ علم اللغة المشارك بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وطننا العربي بأنه يعاني قلة وجود مؤسسات عربية فاعلة تقوم على ضبط المصطلحات وتعريبها ما يجعل الباب مفتوحا لتفاوت الاجتهادات وهو ما يؤدي إلى فوضى المصطلحات، كما اكد انه لا يعيب الاستفادة مما أنجزه الغربيون في مجال صناعة المعاجم لا من ناحية الضوابط والآليات. «الجسر الثقافي» التقى معه في حوار حول مدى احتياج المعاجم العربية الى وضع منهجية دقيقة وما يؤخذ على المعاجم الحديثة من افتقادها الوضوح والطابع التجاري الذي غلب عليها أكثر من التأني المنهجي والتجويد العلمي. ▪ تأليف المعجم فن أم صناعة أم هما معاً ؟ * أراه أقرب إلى الصناعة منه إلى الفن، جانب الصناعة يتجلى في تحديد ماهية المعجم ومصادره الأساسية، وتحديد بنية المعجم الكبرى المتمثلة في طريقة ترتيب المداخل، ثم تحديد بنيته الصغرى المتمثلة في طريقة ايراد وترتيب المعلومات اللغوية وغير اللغوية الملائمة للفئة المستهدفة من المعجم، ثم الصياغة المحكمة الواضحة، والإحالات المتقَنة، وتوحيد منهج العمل في حال قام على صناعة المعجم فريق عمل؛ كل هذا يندرج تحت الصناعة والحرفية، أما جانب الفن والإبداع فلعله ينحصر في اختراع فكرة رائدة لمعجم في مجال جديد. ▪ هل تحتاج المعاجم العربية الى وضع منهجية دقيقة للعمل المصطلحي العربي بكل مراحله والتقيد بهذه المنهجية؟ * ألمح في السؤال شقين، أولهما: حاجة المعاجم العربية إلى منهجية دقيقة للعمل، وهذا أمر مفروغ منه، كما في أي عمل علمي منضبط. أما قضية المصطلح العربي: فهو جانب من الجوانب التي يسهم فيها المعجم، ففي كل مجال في الحياة توجد مصطلحات، سواء كانت علمية أو عُرفية، وضبط هذه المصطلحات وتسجيلها من صميم عمل المعجم، وهو جانب من الجوانب التي تحتاج منا نحن العرب إلى مجهودات كبيرة، نظرا لأننا لا نزال نستورد المعرفة ولا نسهم في إنتاجها إلا في النادر، وهذه المعارف تأتي إلينا بمصطلحاتها التي تحتاج إلى ضبط في الترجمة ودقة في المفهوم، وهما أمران لا يتوفران عند اكثر من يقوم بالترجمة، أيضا عدم وجود مؤسسات عربية فاعلة تقوم على ضبط المصطلحات وتعريبها يجعل الباب مفتوحا لتفاوت الاجتهادات وهو ما يؤدي إلى فوضى المصطلحات. ▪ هل نعاب على أننا تأثرنا في بناء معاجمنا بمعاجم اللغات الأخرى؟ * لا أحد يمكنه أن يعيب استفادتنا مما أنجزه الغربيون في مجال صناعة المعاجم لا من ناحية الضوابط والآليات، ولا من ناحية المجالات التي يجب أن يتناولها العمل المعجمي، بل هي ضرورة لنلحق بركب التقدم، ولن يكون لنا إسهام جديد في أي مجال إلا إذا استوعبنا ما أنجزه غيرنا ثم تجاوزناه. ▪ يؤخذ على المعاجم الحديثة بعدها عن مقتضيات العصر الحديث فتنقصها السهولة والوضوح وقرب المأخذ؟ -أوافقك إجمالا على هذا الطرح، فبعض من يقومون بإعداد المعاجم لا يراعون الفئات المستهدفة منه، ويكتبون كما لو كان كل القراء من علماء اللغة، وبعضهم يكتفي بترديد عبارات علمائنا القدامى كما هي دون تغيير. لكن لنكون منصفين، جزء كبير من هذه المشكلة يعود إلى بُعد الناس عن العربية نفسها، لذا يصعب عليهم التوصل إلى الاشتقاق الصرفي في المعاجم تلقائيا عن طريق السليقة اللغوية، فليس كل من سيقرر البحث في معجم سيذهب إلى كتب الصرف، وإذا تجرأ وقرر أن يذهب إلى معجم من المعاجم ووصل إلى اللفظ المطلوب يصعب عليه فهم التعريف المختصر المذكور، لأنه في الأصل لا يعرف من العربية إلا النذر اليسير. ▪ كيف ترون وضع المعاجم في دعمها الحراك الثقافي العربي؟ * المعاجم في حد ذاتها مظهر حضاري وثقافي لأية لغة، بمعنى أنها تساير التقدمين الثقافي والحضاري لأية أمة، حينما تتقدم الأمة في مجال ما فسوف تنشأ المعاجم بصورة تلقائية؛ لأن الحاجة إليها تكون موجودة، ويشعر المثقفون والعلماء بالحاجة إليها، فينبري نفر منهم لعمل معجم لبيان مصطلحات ذلك المجال، أو تحرير ألفاظه الأساسية، أو ترجمة مصطلحاته للغات الأخرى المعروفة، أو تعريف بأهم أعلامه، وهكذا. المعاجم لا تنشأ من الفراغ، لذلك فإن ظهور أي معجم جديد باللغة العربية في أي مجال يعتبر مؤشرا جيدا، وإذا أحسن الجمهور المستهدف استخدام ذلك المعجم فسوف يرفع مستوى وعيه وثقافته في مجاله. فالعلاقة بين المعاجم والحراك الثقافي علاقة طردية متلازمة، والعكس صحيح أيضا، فعدم أو قلة استخدام المعاجم - لغوية كانت أو غير لغوية - يعكس حالة من الفتور الثقافي والمعرفي في ذلك المجتمع. وينبغي أن نتحلى بالصراحة مع أنفسنا ونقول: إننا في الوطن العربي نعاني فراغا كبيرا في المعاجم في شتى المجالات، فهي قليلة من ناحية العدد، وغالبها ينحصر في مجال دلالات الألفاظ اللغوية، كما لا يتم تحديثها دوريًّا. ▪ ماذا عن تلك المعاجم التي يغلب على إعدادها التسرّع والطابع التجاري أكثر من التأني المنهجي والتجويد العلمي؟ * في كل علم او صناعة يوجد هذا وذاك، لا يمكن أن يكون كل الناس بمستوى علمي واحد، والتميز في إخراج المعجم بصورة تفي بالغرض منه كفيل ببقائه، وهذه ليست المشكلة الأساس في موضوع المعاجم بالمناسبة. فالمشكلة الأساس - كما ذكرت - مشكلة ثقافية حضارية، تتجلى مظاهرها في إعراض كثير من الناس عن استخدام المعجم، وقلة من يقومون على صناعة المعاجم على اختلافها، وانحسار هذه المشكلة كفيل بوجود جيل من المعجميين المحترفين الذين يعرفون أصول الصناعة المعجمية، وسيبقى النافع من المعاجم، وسيُنفى غير النافع من الحياة الثقافية. ▪ لماذا لا تقدم الجامعات والمراكز المخصصة للبحوث ومجامع اللغة العربية على تنسيق شامل لفرز التراث اللغوي التراثي والأدبي والفكري، وكذا المعاصر منه وفق خطة مرسومة ومبنية على أسس علمية مدروسة، وإلى أي حد نحن بحاجة اليها؟ * التراث العربي كبير جدا، وهائل لدرجة يصعب معها تخيل مثل هذا المشروع، ثم إن هذا الفرز يحتاج إلى ضوابط وأسس، فمن الذي سيضعها؟ وبأي معيار سيختار؟ ونحن في الوطن العربي مختلفو المشارب والاتجاهات الفكرية، فكيف سنتفق على تلك المعايير؟ أرى أن ما أنجزه أسلافنا من العلماء محل فخر لنا ولهم. أرى أن أكثر ما تحتاجه أمتنا حقا هو إيجاد صيغة فلسفية مناسبة ومفهومة، نابعة من ديننا وقيمنا، تكون مرتكزا لنهضة حضارية حقيقية. إن كل حضارة إنسانية قديما أو حديثا قامت على أساس فكري ما، حقا كان أو باطلا، وقامت على تصورٍ لطبيعة الحياة البشرية المثالية. ▪ كيف ترون فكرة وضع المعاجم الإلكترونية (الحاسوبية) التفاعلية لمواكبة العصر وتيسيراً على المستخدمين؟ * هذا أمر لا يحتاج لرؤية ولا لرأي، بل واجب وضرورة، أن نقدم منجزاتنا العلمية، ومنها المعاجم، بكل الصور الحديثة المتاحة، وأظن أن هذا موضع اتفاق بين كل من يعملون في الأعمال الموسوعية.