في إطار احتفال الدوحة عاصمة قطر بكونها عاصمة للثقافة العربية لعام0102 كانت هذه الندوة التي انعقدت فيها من21 41 نوفمبر الماضي تحت عنوان: المشروع الثقافي العربي بين جدل الغياب وتشتت الحضور. شارك فيها ثلاثة من مصر هم: الدكتور جابرعصفور والدكتور نبيل علي وكاتب هذه السطور, بالاضافة الي خمسة مشاركين من أقطار عربية مختلفة هم: الدكتور عبدالسلام المسدي والدكتور عبدالله الغذامي والدكتور درويش العمادي والدكتور قاسم شعبان والدكتور سليمان عبدالمنعم. ورأي المنظمون للندوة أن هناك محاور مقترحة ينبغي ان يلتفت اليها المشاركون هي قضية الموقف من التراث العربي, بحيث يصبح في خدمة الثقافة العربية المعاصرة, فلا يكون عبئا عليها, ولا يجعلها تكرارا لما حدث من قبل. وقضية العلاقة بين الثقافة العربية والثقافات الاجنبية انفتاحا وتواصلا وحوارا دائما, وكيفية التعليم في العالم العربي علي مستوي المدرسة والجامعة وعلاقتها بالوضع الراهن للثقافة العربية, ودور التعليم في تعميق مفاهيم الحرية الفكرية, والقيم الاصيلة للثقافة, وتنشئة المثقف الذي يتطلبه العصر, وقضية الترجمة والتعريب ودورهما في المشروع الثقافي العربي, وأهمية التخطيط علي المستوي القومي في هذا المجال, وإقامة المؤسسات المتخصصة, وقضية اللغة العربية وتطوير مجالات استخدامها ومناهج تحديثها بحيث يمكنها القيام بدورها لغة للعلم والتكنولوجيا ومواجهة واقع المعلوماتية وتدفق المعرفة علي مستوي العلم كله, بما يجعلها قادرة علي الوفاء باحتياجات العصر والتعبير عن الحضارة الجديدة, وأخيرا ضرورة النظر في إقامة مؤسسات وهيئات تمثل الركائز الاساسية لتحقيق المشروع الثقافي العربي, مثل: مجالس عليا للثقافة في كل بلد عربي, ومجالس عليا للترجمة والتعريب, واستكمال منظومة مجامع اللغة العربية في سائر الاقطار العربية, واقامة مراكز بحثية للغة العربية في إطار الجامعات, تفيد من عائد البحث الجامعي, وتساعد في وضع خطة موسعة له علي مستوي الوطن العربي كله. في ضوء هذه المحاور, كان طبيعيا ان يشغل الحديث عن الترجمة والمشروع الثقافي مساحة كبيرة من أفكار الندوة ومداخلاتها, كما فعل الدكتور جابر عصفور في محاضرته عن دور الترجمة في بنية المشروع الثقافي, والدكتور درويش العمادي مدير معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية المسحية في جامعة قطر في عرضه لجهود الترجمة في الوطن العربي, والدكتور عبدالسلام المسدي أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية في حديثه عن الترجمة وإشكالية المصطلح, بينما تناول الدكتور سليمان عبدالمنعم الامين العام لمؤسسة الفكر العربي في بيروت العمل الثقافي العربي همومه وأولوياته, وتناول الدكتور عبدالله الغذامي أستاذ النقد والنظرية في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة الملك سعود, الثقافة العربية والثقافة الاجنبية في إطار مشروع ثقافي عربي. أما اللغة العربية فكان الاهتمام بها تجسيدا لموقعها من المشروع الثقافي العربي في إطار الحديث عن تحدياتها ومعوقات المشروع, عندما تحدث الدكتور نبيل علي خبير نظم المعلومات والبرمجة( تصميما وإدارة وبحثا) عن اللغة العربية ومطالب مجتمع المعرفة, وتحدث الدكتور قاسم شعبان رئيس جامعة قطر عن حال اللغة العربية منذ الاستعمار الي العولمة. وفي إطار الاهتمام باللغة العربية وتطوير مجالات استخدامها ومناهج تحديثها وجعلها قادرة علي الوفاء باحتياجات العصر كان حديثي عن الحاجة إلي جمع لغوي جديد. فقد كان الجمع اللغوي الأول الذي قام به الخليل بن أحمد وهو يفكر في أول معجم عربي( معجم العين) بمثابة الاساس الذي قامت عليه المعاجم اللغوية العربية, التي أخذت مادتها من حصيلة هذا الجمع, ثم كانت القاعدة التي ارتآها العلماء بوقف الاستشهاد اللغوي عند نهاية القرن الثاني الهجري, علي أساس أن هذه الحقبة الزمنية تمثل عصر الصحة او السلامة اللغوية, قبل أن تختلط العربية بغيرها من اللغات, ويشيع اللحن( أي الخطأ) علي الألسنة وتنتشر العجمة بين الناس. ونتيجة لهذا, حرمت معاجمنا اللغوية مادة لغوية ضخمة, تراكمت عبر العصور, منذ نهاية القرن الثاني الهجري, وكانت في جوهرها تمثل تطور اللغة العربية وازدهارها, وقدرتها علي الوفاء بالاحتياجات الجديدة للشعوب, والاتساع لحاجات الحياة العامة وألفاظ الحضارة, وبخاصة فيما حملته النهضة العلمية العربية والإسلامية من زخم لغوي ضخم, وما مثلته كتابات الرحالة العرب الذين جابوا العالم الاسلامي كله من مغربه الي مشرقه من أمثال عبداللطيف البغدادي وابن بطوطه وابن جبير وغيرهم من رصيد لغوي في مجالات معرفية واسعة, تاريخية وجغرافية وسياسية وعلمية وإنسانية وغيرها, وهو الامر الذي أدي إلي انقطاع اللغة العربية وتوقفها عن النمو وابتعادها عن التطور, وبقائها حبيسة المعاجم, وإلي عدم اتساعها لهذا الفيض الغزير من المفردات والتعابير والصيغ والمصطلحات التي ظل ينظر اليها علي أنها غير مقبولة في متن صحيح اللغة, لا يعترف بها ولا يحكم بصحتها وصوابها. وجاء العصر الحديث بكل احتياجاته اللغوية والعلمية والمعرفية, وفي مقدمة هذه الاحتياجات صناعة معاجم حديثة, لا تكتفي بالمادة اللغوية التي تضمنتها المعاجم القديمة, وإنما لابد أن تضيف إليها من لغة العصر في كل مجالاتها جديدا يثري هذه اللغة, ويجعلها اكثر قدرة علي تلبية متطلبات النهضة الحديثة. من هنا تصبح الحاجة ملحة الي جمع لغوي جديد, يصبح قاعدة لانطلاق لغوي ومعرفي هائل, يعتدل به ميزان اللغة ويكون اساسا لصناعة معاجم جديدة تستدرك ما فات وهو كثير جدا وتؤسس لصناعة معجمية جديدة, تستخدم الوسائل الحاسوبية وبرامجها في الجمع والتصنيف والتحليل. فما الذي انتهت اليه ندوة الدوحة بالنسبة للمشروع الثقافي العربي؟ هذا هو موضوعنا القادم. نقلا عن الاهرام المصرية