* الانتِحال هو اسم آخر «للسرقة» المباشرة وغير المباشرة باسم معلوم او مجهول أو دون اسم، وقد وُجِد مع وجود الإنسان، وتلون بأشكال عديدة منذ القدم، وارتكبه الناس بمختلف طبقاتهم ومراكزهم من حُكام وعلماء وخلفاء وملوك ورعاع وقضاة وفقراء ومثقفين وأدباء وفنانين وتجار وأثرياء ونساء ورجال وحتى أطفال! لكن المثقفين وأصحاب القلم أكثر وأظهر.. وقد يكون المنتحِل بخلاف المنتحل، كأن يكون «المنتحِل/ السارق» رجلا، يتوارى خلف اسم امرأة أو العكس، وهذا ما أوقع كثيرا من المنتحلين «أي المسروقين» في حرج وقضايا ومشكلات وغير ذلك.. ودونك في كل ذلك ما تزخر به كتب التراث العربي، بل حتى التراث الأجنبي من حالات وأسماء منتحلة. وهنا تقفز تساوُلات الأديب العربي الكبير طه حسين حول شكوكه في القصائد المعلقات وسواها من القصائد العربية في الفترات الأربع «ما قبل الإسلام حتى العباسية»، بما فيها قصة قيس وليلى والنواسيات وقصص هارون الرشيد وكتاب «ألف ليلة وليلة» وغيرها من التراثيات وأن أغلبها منتحل- بحسب رأيه-. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى نقطة قدحت في البال أثناء الكتابة وهي التفريق بين «الانتحال» و«الاسم المستعار»، فالانتحال يشمل اسم وعمل صاحب الاسم الحقيقي، أما الاسم المستعار فهو من يتخفى به أو بغيره لكن ليس بالضرورة أن يعمل عمل المنتحل، بل نجد أن من بين الأسماء المستعارة من لهم كتابات ونصوص وأعمال من إبداعاتهم وفنهم هم. أما المنتحل/ اللص.. فهو من يختار اسما لامعا من المشاهير في مختلف المجالات فيمضي في الكتابة والنحل والنقل والتصريح عن المنحول دون وازع من ضمير. ولن نتحدث عن الأضرار النفسية والموضوعية في هذه الجريرة الكبيرة، كما لن نذكر شيئا عن حكمها الشرعي والقانوني، لكن سنذكر أنها من أبرز صور الأزمة الأخلاقية التي ينوء بها المجتمع الإنساني بشكل عام، وبخاصة في عصرنا هذا، عصر قنوات التواصل الاجتماعي الفيس بوك وتويتر والواتس وغيرها. والمشاهير من نجوم الأدب والفن والرياضة والأعمال وأحيانا السياسية هم اكثر الفئات المنحولة أسماؤهم، والمنسوبة إليهم في الانتحال ما لم ينسب لمالك في الخمر.. كما يقال. وقد بُنِي هذا المقال على تصريح مباشر وحديث من أحد الفنانين العرب الكبار الذي تم تكريمه مؤخرا في مهرجان الإسكندرية الدولي للسينما بمصر حيث قال في لقاء مفصل وواسع وعلى صفحة كاملة لإحدى الصحف المصرية الورقية (العدد موجود عندي): «ليس لي أي حساب خاص باسمي أو باسم مستعار في أي قناة من قنوات التواصل الاجتماعي فلا حساب لدي في الفيس بوك ولا تويتر وليس عندي انستغرام ولا واتس اب ولا غيره، وكل من ينتحل اسمي في قناة منها هو مريض أخلاقيا وسأشكوه عند الله.. فقد كذبوا علي وقولوني ما لم أقله ومما أنا بريء منه، وبعيد عنه». هزني هذا الكلام، وقد لاحظت في إحدى الصفحات أن التصريحات والمقاطع المنسوبة إليه لا صلة لها به، ولا بفنه، ولا بلده ولا «قوميته» فهي نفث محموم يصب في شؤون بلد آخر، وهذا دليل على الانتحال الواضح. والطريف أن بعض الصفحات في تويتر والفيس بوك تحمل أسماء راحلين وتخرج بتصريحات وتغريدات وأقوال وتفاعلات لهم مع الأحداث الراهنة باسمهم وهم «تحت طبقات الثرى»!. والانتحال أسوأ من السرقة لأن هذه يرتكبها «الحرامي» وقد لا يترك أثرا عاما، أو قد لا يتسبب في أضرار ممتدة ومتواصلة إذا كانت السرقة محدودة ومعروفة. لكن المنتحل تبقى فعلته متداولة بين الناس والأجيال باسم منتحلها، ويختفي صاحبها الحقيقي. والمنتحل جبان ودون أخلاق وقاصر فكرا وأدبا وعملا، كما أنه يساهم في استشراء الكذب وانتشار الزيف في المجتمع بما يقوم به. ونختم المقال بقائمة بمن تضج صفحات التواصل الحديثة بأسمائهم: * الممثل المصري الراحل: نور الشريف. * الشاعر الفلسطيني الراحل: غسان كنفاني. * الشاعر السوري الكبير الراحل: نزار قباني. * الشاعر السعودي الراحل: غازي القصيبي. * الفنان السوري الكبير: دريد لحام. * رجل الأعمال السعودي: صالح كامل. * الأميرة الإنجليزية الراحلة: ديانا سبنسر. * الفنان الكويتي الكبير: عبدالحسين عبدالرضا. * الفنانة المصرية الراحلة: سعاد حسني، وغيرهم كثير. ومن الطريف أيضا أنني وجدت قبل يومين صفحة في تويتر باسم الراحلة أم كلثوم تحمل تصريحات نارية عن بطولة برشلونة الرياضية! مما يدل على غباء ومراهقة منتحل صاحبة الاسم الراحلة والبعيدة عن المجال الرياضي. وتخيل أنك تقرأ كل صباح تغريدة لأي من هؤلاء وهم تحت الأرض، أو الأحياء منهم الذين تنهشهم تلك المشاركات والتصريحات وهم بعيدون عنها. إنها أخلاق هذا الزمان البلاستيكي وما قبله من أزمان جائرة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.