يتعرض نجوم السياسة والإعلام والفن والرياضة والدعوة والثقافة يوميا لعشرات المحاولات لانتحال الشخصيات الناجحة في مواقع التواصل الاجتماعي دون وجود عقوبة أو رادع؛ فمن الداعية الدكتور سلمان العودة الذي انتحلت شخصيته في الفيس بوك، مرورا بالفنان ناصر القصبي واللاعب الهلالي ماجد المرشدي اللذين انتحلت شخصيتهما في تويتر وانتهاء بالرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي لم ينج من عاصفة انتحال الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي والقائمة تطول. ولو أردت التأكد بنفسك فما عليك سوى الذهاب للفيس بوك وتويتر لترى عشرات الصفحات للشخصية نفسها دون أن تعرف من هو صاحب الشخصية الحقيقية، هذا إن كان لصاحب الشخصية حساب في الأصل. وتزداد الخطورة في حال انتحلت شخصيات سياسية واعتبارية لها قيمتها في المجتمع، وفي كل يوم نسمع عن بيان لشخصية معروفة تستغرب انتحال شخصها في هذه المواقع. ولعل ما يزيد الطين بلة هو أن يتحول الانتحال لإساءة هذه الشخصيات والنيل منها والتقول عليها بكلام وآراء بعيدة عن واقع الشخصية المنتحلة، ولا يخفى على أحد الآثار السلبية على الصعيد السياسي والاجتماعي والأمني لانتحال شخصيات صناعة القرار في أي مجتمع كان، بيد أن هذه المحاولات تنجح في الواقع في الإساءة لهذه الشخصية. وهو ما صادق عليه قراء «عكاظ» في الموقع الإلكتروني عندما رأى 45.3 % أن سبب ظهور انتحال الشخصيات في مواقع التواصل الاجتماعي هو الإساءة لهذه الشخصيات والنيل منها، بينما أشار 19.8 % أن سبب انتحال الشخصيات هو الوصول لأكبر شريحة ممكنة في المجتمع من قبل المنتحل، ووضع القراء الرغبة في لفت النظر كخيار ثالث بنسبة 18.6 %، بينما كان أقل الخيارات قبولا عند القراء هو الإعجاب بهذه الشخصيات حد التقليد بنسبة 16.3 % مما يدل دلالة علمية على أن رغبة الإساءة أكثر بكثير من الإعجاب بالشخصيات المنتحلة. ولئن كان العالم الواقعي بما فيه من كتب وصحف وفضائيات منابر لإظهار الفكر والرأي والتوجهات للأشخاص، فإن مواقع التواصل الاجتماعي تحولت اليوم للمصدر الحقيقي لعرض الأفكار والآراء والتوجهات، ولنا في الثورات العربية خير دليل لأن انطلاقتها الحقيقية من خلال هذه المواقع مما يستدعي أن يعيد القائمون على هذه المواقع حساباتهم في آليات وطرق التسجيل في هذه المواقع التي لا تحتاج سوى بريد إلكتروني للتسجيل من خلاله. وعند بحثنا عن طرق مراسلة القائمين على موقعي الفيس بوك وتويتر لمعرفة الإجراءات المتخذة عند انتحال الشخصيات، تبين لنا أن الإجراءت ضعيفة وطويلة فهي تحتاج لئن ترسل لهم ما يثبت بأنك صاحب الشخصية المنتحلة وعندها ينظرون في إغلاق هذه الصفحة هذا في الفيس بوك، لكن لا ضمان من فتح صفحات جديدة لمنتحلين آخرين لنفس الشخصية مما دفع البعض لوضع مقطع فيديو في صفحته، يؤكد أن هذه الصفحة هي حسابه الشخصي وأن الصفحات الأخرى لا تمثله، أما في تويتر فقد لجأ القائمون على تويتر لوضع إشارة (صح) لمعرفة الشخصية الحقيقية شريطة أن يصلها ما يبثت ذلك، لكن تويتر بدأت بالاعتذار نظرا لوصولها ملايين الطلبات مما جعلها عاجزة عن التثبت والتحقق. وأمام سهولة الانتحال في مواقع التواصل وعجز القائمين عليها من التحقق يبرز تساؤل أهم هل الأنظمة الموجودة لمكافحة جرائم المعلوماتية كافية؟ وهل يمكن الوصول بسهولة للمنتحلين؟ وهل العقوبات المتخذة بحقهم كافية ورادعة؟!. «عكاظ» فتحت ملف انتحال الشخصيات في مواقع التواصل الاجتماعي أسبابها وآثارها والحلول المقترحة للحد منها في سياق التحقيق التالي: ظاهرة منتشرة بداية، أكد استاذ الصحافة الإلكترونية والباحث في الإعلام الجديد الدكتور فايز الشهري أن انتحال الشخصيات في مواقع وخدمات التواصل الاجتماعي باتت ظاهرة، مبينا أنها قديمة قدم البريد الإلكتروني حيث تصل رسائل بأسماء منتحلة لشخصيات ومشاهير، وشدد الشهري على أن التوعية قضت على كثير من هذه الحالات، بيد أنه في حالة الشبكات الاجتماعية تلاحظ بشكل واضح. ورأى الشهري أن هناك أسبابا عديدة لانتحال الشخصيات منها إعجاب أحد المعجبين بالشخصية، وأضاف «هناك مهووسون يرون أن الوصول للمشاهير يتم من خلال هذه الوسائط». وأشار الشهري إلى وجود بعد إجرامي في القضية يأتي مع الذين يضعون هذه المواقع للابتزاز والتشهير بالشخصية أو لجني مكاسب مادية ومعنية ونحو ذلك. ولفت الشهري إلى أن بعض المشاهير يفتحون حسابات في الموقع الاجتماعي ثم يتورطون في آراء أو تصرفات تثير منافسيهم أو مستخدمي هذه الخدمة فيضطرون إلى الادعاء بأن هذه الحسابات لا تمثلهم أو أن حساباتهم سرقت ونحو ذلك. وأبان الباحث في الإعلام الجديد أن الآثار السلبية لانتحال الشخصيات تختلف بحسب طبيعة الشخصية ودورها الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، وأيضا تتنوع الآثار بحسب هدف من انتحل الشخصية. الأثر النفسي وهنا يوضح استشاري الطب النفسي الدكتور محمد الحامد أن انتحال الشخصيات في مواقع التواصل هو سلوك مرضي، مبينا أن من ينتحل هو شخصية سيكبواتية ومضادة للمجتمع، مشيرا إلى أن هدفها إما استغلال نفوذ الشخصية المنتحلة والانتفاع منه أو إثارة الخوف، مؤكدا أن بعض المنتحلين مصابون بأمراض عقلية أو مضربين وجدانيا ولديهم ضلالات عظمى وذات منتفخة وكبر ونرجسية فيلجأ لانتحال الشخصيات المشهورة، بيد أن الحامد لا يشمل جميع المنتحلين، حيث أكد أن بعضهم ينتحل لغرض عبثي أو يكون مراهقا غير ناضج فيلجأ للانتحال من أجل التسلية والعبث. وقلل الحامد من الأثر النفسي على الشخصية المنتحلة، مبينا أنها تسبب لهم حرجا اجتماعيا ونوعا من التوتر والقلق القابل للتعديل، مشددا على أن انتحال الشخصية في العوالم الافتراضية أصبح ظاهرة مجتمعية لافتة للنظر. من جهته، أبان أستاذ علم الاجتماع والجريمة المساعد رئيس قسم العلوم الاجتماعية في كلية الملك فهد الأمنية الدكتور عبدالله الشعلان، أن دخول أي عنصر جديد إلى ثقافة المجتمع فإنه يحدث خللا مؤقتا في بناء ذلك المجتمع قد ينسجم في بعض الأحيان مع العناصر الأخرى للثقافة ومن ثم يعاد تشكيل الثقافة، وفد يتعارض وينمو مشكلا ثقافة هامشية تعتمد على التحرر من قيم المجتمع ونظمه وتحاول استبدالها بقيم أخرى على النقيض من الثقافة الأصلية. مشيرا إلى أن التقنية أوجدت ثقافة فرعية مهدت لظهور وانتشار أنماط من الانحرافات السلوكية بعضها مستحدث والبعض الآخر تقليدي استفاد من وجود التقنية. الرؤية الاجتماعية وأشار الشعلان إلى أن الإساءة إلى الناس بانتحال شخصياتهم في مواقع التواصل الاجتماعي تعد من السلوكيات المنحرفة التقليدية التي ساعدت التقنية على انتشارها، مؤكدا على وجود اتصال واستمرارية للسلوك الإجرامي من العالم الحقيقي إلى العالم الافتراضي، مؤكدا أن ما ساعد على ظهور انتحال الشخصيات غياب أو عجز القوانين والإجراءات التي تكشف وتقبض وتعاقب هؤلاء المجرمين. وشدد الشعلان على أن ضعف الوعي بالاستخدام الصحيح لهذه التقنية بسبب الفجوة بين الجوانب المادية والجوانب غير المادية في الثقافة والتي يحدثها التغير الاجتماعي السريع جعل فئة من الناس يسيئون استخدام مواقع التواصل بانتحال الشخصيات، مشيرا إلى أن المنتحلين لا يخرجون عن فئتين، الأولى: فئة لا تهدف سوى للتسلية، والثانية فئة تقصد إيذاء الناس والانتقام منهم وابتزازهم، مفيدا أن كلا الفئتين ترتكب جريمة بحق المجتمع، مؤكدا أن لجريمة انتحال الشخصيات آثار اجتماعية وأسرية وأخلاقية. ودعا الشعلان لأهمية نشر الوعي بالاستخدام الصحيح للتقنية من خلال التعليم والإعلام، مشددا على دور الأسرة في تقوية الجانب الديني والأخلاقي لدى أفرادها من خلال التربية الصحيحة، مطالبا بتكثيف العقوبات على المنتحلين. وبالعودة للدكتور فايز الشهري فقد اتفق مع الشعلان بأن الخيار القانوني يجب أن يكون المتاح لمن تضرر مع ضرورة إيقاع العقوبات بالمنتحلين، داعيا في الوقت نفسه الأشخاص إلى فتح حسابات تعبر عن وجهة نظرهم ويستطيعون من خلالها نفي أو إثبات ما له علاقة بشخصياتهم. العقوبات الرادعة ورفض القاضي حمد الرزين القول بأن العقوبات الموضوعة بحق المنتحلين غير رادعة، مبينا أن نظام مكافحة جرائم المعلوماتية نص على إيقاع عقوبات قاسية جدا بالمنتحلين تصل للسجن لمدة سنة وتغريمه نصف مليون ريال في حال ابتزاز الآخرين والتشهير بهم وإيذائهم. وأفاد الرزين أن هذه القضايا تحال من هيئة التحقيق والادعاء العام للمحاكم الجزئية ويتم التحقق منها ليحكم بعدها القاضي حكما تعزيريا يناسب جرمه والآثار المترتبة عليه، لكن الرزين أشار إلى أن القضايا التي ترد للمحاكم حول انتحال الشخصيات في مواقع التواصل قليلة وضعيفة، مرجعا سبب ذلك لضعف الثقافة الحقوقية وعدم معرفة من انتحل ومن أية دولة إذا كان خارج المملكة. وهنا يؤكد أحد خبراء الإنترنت والذي يملك خبرة واسعة في القرصنة الإلكترونية والهكرز ويدعى كريم مرتضى أن الجهات الأمنية تستطيع بواسطة بعض المعرفات أن تصل للمصدر الذي انتحل الشخصية وتستطيع إحضاره. الحلول التقنية لكن المتحدث الرسمي باسم الاتصالات وتقنية المعلومات سلطان المالك ينفي القدرة في كل حالة على الوصول للمنتحل، مبينا أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست ملكا للسعودية وإنما هي ملك للشركات التي يمكن أن تتحقق من الشخصية المنتحلة وتلغي صفحتها في حال التواصل معهم. وأفاد المالك أن لهم دورين أساسيين في هذه القضية، الأول دور تقني بحت يرتبط بطلب الجهات الأمنية التأكد من بعض المعلومات والمعرفات وإبلاغهم بها. مبينا أن الدور الثاني للهيئة هو دور توعوي من خلال نشرهم لبعض الكتيبات والمعلومات عن طرق حماية الحساب الخاص والبريد الإلكتروني وغيرها من المعلومات المهمة في حماية حساباتهم ومعلوماتهم. ونفى المالك ضعف القوانين والعقوبات، مؤكدا أن نظام مكافحة جرائم المعلوماتية كاف للحد من ظهور الانتحال وغيرها من الجرائم الإلكترونية، وشدد المالك على دور الأسرة في تربية الحصانة الذاتية التي تمنع الأبناء من الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن القوانين موجودة والجهات الأمنية قادرة على معاقبة المنتحل، لكن عدم مطالبة أصحاب الحق بحقوقهم هو وراء الانتشار. إجراءات أمنية ويؤكد مساعد مدير الأمن العام لشؤون الأمن اللواء خضر الزهراني أنهم يستقبلون أية شكوى ضد منتحلي الشخصيات، مفيدا أنهم يعملون وفق نظام جرائم المعلوماتية الصادر عام 1428ه. وأوضح اللواء الزهراني أن أجهزة الأمن العام في حال تلقيها البلاغ تقوم بجمع المعلومات والتحري عن الشخصية المنتحلة بواسطة البحث الجنائي، مبينا أن ذلك يكون من خلال البحث عن دلالة، وهذا لا يكون إلا بواسطة الأدلة الرقمية والمعرفات وأرقام الهواتف، مفيدا أنهم يستعينون بهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات للحصول على بعض المعلومات التقنية للوصول للشخص المنتحل. وأفاد اللواء الزهراني أنه في حال القبض عليه بعد جمع كل المعلومات واكتمالها فإنه يحال لهيئة التحقيق والادعاء العام فإن ثبتت عليه التهمة فإنه يحال للقضاء ليحاكم وتطبق عليه العقوبه. ويشير اللواء خضر إلى أن عدد قضايا الانتحال في مواقع التواصل التي تصلهم قليلة ومحدودة، لكنها في تنام في ظل توسع الناس في استخدام التقنية والتسجيل في هذه المواقع. وذكر الزهراني أن هناك إشكالية في المواقع الإلكترونية التي تدار من دول أخرى، مبينا أن هذه تعد جريمة متعدية لأنها من دولة لأخرى، مؤكدا على أهمية التعاون الدولي للحد من قضايا الانتحال في المواقع الإلكترونية، ورأى اللواء الزهراني أن التفاعل مع القضية يكون بحسب حجمها، فهناك قضايا انتحال بسيطة وهناك قضايا انتحال لها نتائج سلبية جدا. ويوضح المستشار القانوني المحامي يحيى العبدلي أن هناك صعوبة كبيرة في اكتشاف المنتحل، مشيرا إلى ان المشرع كان فطنا عندما غلظ عقوبة مثل هذه التصرفات، مؤكدا على أننا بالفعل أمام حقيقة دامغة وهي صعوبة الإثبات بالشكل الذي يرتقي لمنزلة إنزال العقاب على مرتكبه وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي. ورأى العبدلي أن الحل الأمثل يكمن في تقديم حلول تقنية عملية وسريعة يمكننا بها تتبع ومعرفة مستخدم الإنترنت والمتنكرين بمواقع التواصل الاجتماعي خلف أسماء معروفة أو مشهورة أو حتى عامة دون الحاجة إلى إشغال السلطات واستنفار إمكانياتها.