سُلمت الموصل تسليمًا لتنظيم داعش الإرهابي، الجيش العراقي انسحب بأوامر رسمية، والمحافظ تراجع باتجاه أربيل، ووجدت «داعش» السلاح والمال، والنفط، وعاثت في الموصل فسادا، وفرضت نفسها ونظامها معلنة منها «دولة الخلافة» المشكوك فيها وفي أبعادها، حتى ان التحقيقات العراقية، لم تجرم مسؤولا كان له الدور الأكبر في تسليم المدينة.اليوم هناك صراع على الموصل، فهي الأقرب باتجاه سوريا، وهي عمليا فصل لكردستان العراق، عن مناطق النفط الحيوية المختلف عليها، وهي محاولة لوأد أية خيارات نحو قيام إقليم سني، كما هو واقع في العراق اليوم، حيث للشيعة إقليمهم وكذلك الأكراد. إيران لا ترغب بالتواجد التركي، ولا بالخطاب السياسي التركي المعلن بحماية السنة من العرب والكرد والتركمان، بينما تصر إيران على دعم مشاركة الحشد الشعبي، فيما ترفض العشائر العربية أية مشاركة، تؤدي الى مشاركة الحشد وكذلك الأكراد، وعليه فالصراع على الموصل لم يعد مع تنظيم داعش الإرهابي، وإنما أصبح صراع مصالح ومصائر، ولهذا تعالت لهجة الخطاب ما بين بغداد وانقرة أدت الى استدعاء السفراء.عمليا، تحرير الموصل، سيكون بداية المرحلة العراقية الثانية بعد احتلاله وإقامة نظام المحاصصة الطائفي، والذي حرم فيه العرب السنة من حقوقهم، دفع ببعضهم الظلم، والتهميش، للانضمام الى التنظيمات الإرهابية، طالما ان الخيارات الأخرى مغلقة، وأصبحت الاتهامات جاهزة، تحت مظلة قانون الاجتثاث حيث بات العرب السنة مشروع تهجير ديمغرافي يبعدهم عن خطوط النفط والغاز والاتصال الايراني بالمتوسط. إن محاربة الإرهاب، لا تعني إفناء السكان الأصليين، والتنكر لوجودهم التاريخي، ولا يعني اجتثاثهم لاسباب طائفية خدمة للمصالح الايرانية، وعليه فإن الصدام بين الحكومة العراقية والحكومة التركية، حول معسكر بعيشيقة، يأتي قبيل تحرير الموصل، حيث تشترط تركيا عدم مشاركة الحشد الشعبي، وهو الأمر الذي دفع بأنقرة للتأكيد بأن دخولها للأراضي العراقية تم بطلب رسمي وبمعرفة وزارة الدفاع العراقية. إن اعتبار تركيا متدخلة في السيادة العراقية، يؤكد بأن سيادة الدول ليست لعبة طائفية، فهي أرض العراق من شماله الى جنوبه، ولكن عندما تضعف السلطة المركزية، وعندما تبدأ الدول بالتعامل ومواطنيها بشكل غير متوازن وفي اجحاف بحقوق بعض المكونات الرئيسة، فعند ذلك لا معنى للسيادة، كما أن السيادة التي تبيح لإيران الدخول في ارض العراق عرضا وطولا، والتدخل في القرار السياسي وتوظيف موارد العراق لصالحها بحجة ان ايران تدخلت بطلب عراقي، فالتدخل لا يكون ضد ابناء الشعب العراقي ولا على حساب سيادته وهويته، وايضا التدخل لا يكون طائفيا، واذا كان كذلك فقد اصبح ذلك طرفا سلبيا ينفذ اجندات ومخططات على خلاف الاجتماع السياسي العراقي، وخلافا لمتطلبات الوحدة والسيادة الوطنية.إن محاربة داعش دون النظر للبعد التنموي والاقتصادي والسكاني والحقوقي لسكان هذه المناطق، فإنه لن يؤدي الى نتائج ايجابية كافية، بل على العكس، سيؤكد اهمية التناقض والاختلاف، والمواجهة، والارهاب والتطرف والطائفية فقط. الحرب الحقيقية، هي بانتقال العملية السياسية في العراق إلى عملية مدنية، تكاملية، تنموية، بعيدة عن التجاذبات والصراعات الاقليمية والدولية، وهذا لن يكون إلا إذا كانت الحكومة العراقية قوية ولجميع العراقيين دون استثناء وبرلمان معبر عن إرادة الشعب العراقي وتطلعاته المستقبلية. أما إذا كانت النظرة لتحرير الموصل تحمل في ثناياها عملية تدمير وتجريف ديمغرافي، واجتثاثا جديدا، فإن الافرازات المرئية نشوء أجيال جديدة من الإرهاب والتطرف، ونسخ جديدة من الدواعش، ودماء وثروات تهدر، ومنشآت تهدم، وكل ذلك كي تجد ايران اطلالة لها على المتوسط.