هل بقي كاتب أو مثقف عندنا، أو نجمٌ صنعته الشبكات الاجتماعية، لم توضع له جملة مُبَرْوَزة في صورة تنتشر في موقع «تويتر»؟. ربما من المبالغة طرح السؤال بهذه الصيغة، فلا يمكن القول إن الجميع يحصل له هذا الأمر، لكن ما يحدث مدعاة للسخرية، ليس لأن أحداً ما يتلقف قول كاتبٍ وينشره إعجاباً به، بل لأن الكُتَّاب أنفسهم يحرصون على نشر «أقوالهم المأثورة» وترويجها كأنها فتوحات معرفية، وكلماتٌ غيرت التاريخ، فتجد أحدهم ينشر صورة تحمل جملةً قالها مذيلةً بتوقيعه، وآخر صار يوقع باسمه تحت كل تغريدة، لأنه ربما يظن أن كل ما يقول «تاريخي»، ويحتاج توقيعه. يمكن للكاتب أو «المثقف» أن يعمل على زخرفة جملةٍ ما لغوياً، وربما في بعض الحالات لا يحتاج لهذا، فيمكن أن يقول أي شيء، ليتلقفه الناس وينشروه. يشي هذا بالكثير حول الثقافة والنخب المثقفة عندنا. بدايةً، لا يشير هذا النشر للأقوال والحِكَم الصادرة في الشبكات الاجتماعية إلا إلى مدى تعليب الثقافة، وتسطيحها، وكذلك تسطيح مفهوم الحكمة أو القول البليغ المعبّر عن فكرة عميقة، فما يمكن أن يمر على المتابع من أقوال يجعله يتيقن بأن أغلب من يعتبرون أنفسهم مثقفين في فضاء التواصل الاجتماعي ليس لديهم الحد الأدنى الضروري من المعرفة لصياغة الحكم والكلام العميق، وهم يساهمون في كلامهم القصير والطويل (كما في مقالاتهم) على السواء بنشر السطحية، والابتعاد عن الغوص في أعماق القضايا والإشكالات المطروحة علينا جميعاً. في الصورة الكبيرة، نكاد لا نعثر على مثقف ممن يكثرون الظهور إعلامياً، يجتهد في فهم الظواهر وتحليلها بعمق، بل إننا نصادف غالباً مثقفين يرددون مجموعة من الشعارات المكررة، وهم لا يبذلون جهداً لتوسيع معارفهم، أو الاطلاع على الأفكار الجديدة، كما أن ما يقدمونه قد يصنف في خانة الزخارف اللغوية، والكلام المنمق، فيما يخلو من التحليل ومحاولة الفهم، ويتحول البعض إلى ترديد مواقفهم من الأحداث والظواهر المختلفة، كأنهم ملزمون بإصدار بياناتٍ بهذا الخصوص، دون أن يفيدوا أحداً بإثراء السجال حول هذه الظواهر، وتقديم حجج يمكن مناقشتها. النتيجة هي أن الإنتاج الفكري والثقافي الحقيقي عندنا ضعيف مقارنة بمجتمعات عربية أخرى، وأنه لا مشاريع فكرية تضيف للمكتبة العربية إلا ما ندر، وأن التحليل أو الرأي الذي يثري السجال المحلي والعربي يغيب، فيما تحضر الفذلكة اللغوية لتنتج أقوالاً تاريخية، تستخدم الفرق الصغير بين كلمتين للإبهار، مثل كلمتي «التفكير» و «التكفير»، لتنهمر علينا عشرات الحِكَم في مواقع التواصل الاجتماعي كل يوم.