في كل عام مع بداية إعلان التسجيل في كليات المعلمين، أراقب الموقف في كلية المعلمين القريبة من منزلي، أشاهد توافد الأعداد الهائلة من الطلبة، وهم يحملون ملفاتهم الخضراء، ويتزاحمون على باب الكلية في أجواء شديدة الحرارة، وتلاحظ التوتر والقلق باديًا على وجوههم، وتحزن لخيبة أمل بعضهم، عندما تتطاير من عند الموظف ملفاتهم المرفوضة، وأنا أرقب مشهد التدافع للعدد الكبير من المتقدمين لمهنة التعليم، جالت في ذهني عدة تساؤلات، يا ترى هؤلاء يوجد في وعيهم، ثقل مسئولية رسالة التعليم التربوية والتعليمية، ويدركون عظم التحدي الثقافي والصناعي الذي يواجه الوطن، وأنهم حضروا هنا مدفوعين بحب مهنة التعليم، ولديهم الرغبة الشديدة ليكونوا معلمين ومربين للأجيال، فهم محور ارتكاز أي رؤية، ففي أشخاصهم سيجتمع التعليم والتوجيه والإرشاد والتربية والقيادة والمتابعة، فهم من سيبنى أجيال المستقبل، ومن خلالهم سنرتقي في سلم الحضارة والتقدم أو العكس، ويبقى سؤال مهم: هل هذه الأعداد المهولة من المتقدمين، ستواجه (فلترة) حقيقية؟ بمعنى هل هناك شروط صارمة ومعايير دقيقة يمر بها المتقدم حتى الوصول للمعلم المنتظر؟ اعتقد نقطة الانطلاق الحقيقية للوصول لمعلم ذي جودة عالية ومواصفات مغايرة تبدأ من قوة معايير الاختيار التي ما زالت غائبة، وساهم ذلك في تدني المستوى التعليمي واحتضاره، لذلك نحن بحاجة ضرورية، لتطبيق أقصى معايير الجودة في اختيار المعلم وإعداده، وإلا سنبقى خارج المنافسة، ومجال التعليم سيصبح وظيفة شرفية، أو وظيفة من لا وظيفة له!! هناك ما يدعو للتفاؤل برفع جودة المعلم والتعليم بشكل عام، فالوزير وضع يده على مكمن الخلل وشخص المشكلة، عندما قال (إن معايير قبول الطالب الذي سيصبح معلما، في كليات التربية غير كافية، للتأكد من صلاحيته للتعليم والتربية، وإن المقررات تقليدية ومغرقة في النظريات وصف الكلام)، واعتراف الوزير بالمشكلة هو بداية خطوات الحلول، وشروعه في تشكيل فريق خاص لإعادة النظر في مهنة التعليم، والقضايا التي لها علاقة بالمعلم، وخاصة ما يتعلق بتقديم الامتيازات المالية والمعنوية للمعلم، هذه جميعها بوادر أمل، تطمئننا أن الوزارة لديها نية حقيقية للتغير، وتجعلنا نترقب قيامها بخطة شاملة، للعناية بجودة المعلم وإعادة صياغته، ابتداء من تأهيله وتدريبه، ثم استمرارية تطويره وتحسين أدائه، حتى الوصول للجودة المطلوبة، وهو ما يراه الوزير ضرورة لإعادة الاعتبار لمهنة التعليم، فجودة المعلم جزء أساسي من أي عملية تطويرية للتعليم، ولعل ما قامت به وزارة التعليم السعودية، من تكوين شراكة تعليمية مع وزارة التعليم الفنلندية، أعتبره أول ثمار هذا الحراك، الذي يهدف لإعداد المعلم وصنع جودته، فالوزارة سترسل 1000 معلم سعودي (لفنلندا) على دفعات، لإطلاعهم على أسلوب المدرّس الفنلندي، ليعود المعلم السعودي ويطبق الطريقة نفسها في المدارس السعودية، وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح تحسب للوزير الجديد، الذي يسعى لاستجلاب الخبرات، والاستفادة من التجارب الحديثة في مجالات التعليم أينما وجدت. مساعي الوزارة لتطوير المعلم، لمواكبة رؤية (2030) وحدها لا تكفي، إذا لم يواكب تلك المساعي، تطوير مواز من المعلم لذاته وتنمية لمواهبه، بمتابعته ما يستجد على الساحة التعليمية من تطورات، ويستطيع المعلم أن يغير من واقعه، ويتميز عن غيره بجهود ذاتية، فيلاحق الجديد من الأبحاث والدراسات، وحضور الندوات والمؤتمرات والدورات التدريبية، ذات العلاقة بالمجال التعليمي والتربوي!!