يشعر الناس بالقلق إزاء بنك دويتشه. التفسير التفاؤلي لعام 2016 هو أنه العام الذي يكرر فيه التاريخ نفسه وكأنه مهزلة في كل مرة، لذلك آمل بأن هموم وشواغل بنك دويتشه الحالية سوف تتحول لتصبح مجرد صدى هزلي للاضطرابات المأساوية، التي عانى منها بنك ليمان براذرز في العام 2008. كان أهم خبر قبل يومين هو أن بعض صناديق التحوط تعمل على خفض تعاملها مع بنك دويتشه، وهي لحظة يمكن وصفها بأنها «ليمانية» أدت إلى وصول الأسهم لمستويات متدنية جدا إلا أن هذه ليست قصة أطراف تعاقدية متقابلة تقوم بتمزيق التداولات أو الوقوف في صفوف من أجل سحب الودائع، بل الأمر أكثر من ذلك: عملت الصناديق، وهي مجموعة فرعية صغيرة من العملاء الذين يزيد عددهم على 800 عميل في مجال تجارة صناديق التحوط في البنك، على نقل جزء من مقتنياتها من المشتقات المدرجة إلى شركات أخرى هذا الأسبوع، وفقا لوثيقة مصرفية داخلية اطلعت عليها بلومبيرج نيوز. لكن لاحظ، عندما يتدافع الناس لسحب أرصدتهم من أحد البنوك، كل الأموال تكون مفيدة. لكن أموال المشتقات المدرجة في حسابات العملاء لا تساعد كثيرا. كما يكتب دان ديفيز، «حيث إن تلك الأرصدة متقلبة جدا، فهي أساسا غير صالحة للاستخدام من قبل البنك كمصدر للتمويل». ليست هذه هي الطريقة التي يعمل بها بنك دويتشه لتحقيق أهدافه. يبدو أن هنالك بعض الانسحابات الأخرى أيضا من قبل صناديق تحوط أخرى، لكن دويتشه «لديه قاعدة عملاء أكثر تنوعا، مصدرها المصرفية الألمانية للتجزئة وخطوط الأعمال المؤسسية المتعددة»، وليس فقط مجرد نظراء تعاقديين طائشين من صناديق التحوط. كما أن الموافقة بين المطلوبات ليست المشكلة الحقيقية التي يعاني منها البنك. قال ستيوارت جراهام، مؤسس شركة (أوتونوماس) للبحوث، في مذكرة له: «يواجه بنك دويتشه الكثير من المشاكل، لكن السيولة ليست واحدة منها»، مضيفا إن البنك لديه احتياطيات من السيولة تقدر بحوالي 223 مليار يورو اعتبارا من الربع الثاني. «يمكن أن يكون من الأكيد أن بإمكان بنك دويتشه الوصول إلى سيولة إضافية كبيرة من البنك المركزي الأوروبي، فيما لو احتاج إليها في أي وقت». المشكلة حتى الآن -ومع وجود بنوك كبيرة متمركزة بالأموال تستطيع الوصول إلى البنوك المركزية بشكل عام- ليست السيولة بل رأس المال، وليست نفاذ الأموال النقدية الجاهزة لدى بنك دويتشه بل ديونه التي تدمر قيمة المساهمين. يقول ديفيز مرة أخرى: حالة عدم اليقين، على كبر حجمها، ترتبط بالجانب الأيمن من الميزانية العمومية. ربما لا يكون رأس المال كافيا، وربما يجري إضعاف الأسهم بسبب تحمل عبء كبير من الغرامات، التي تفرضها وزارة العدل. كل من هذه التهديدات يكون مصدرها أي شيء عدا الجانب الأيسر من الميزانية العمومية الخاصة ببنك دويتشه (وحرفيا، أحد تلك المصادر هو رقم يختاره الجهاز التنظيمي، يشير بشكل صارخ إلى أن الوضع بعيد تماما عن أن يكون «خارج السيطرة» قياسا بما حدث في عام 2008). كل هذا يحتمل بأن يكون غير سار بالنسبة لبنك دويتشه. فلديه ربما القليل من رأس المال، وربما يحتاج لجمع المزيد. حتى قبل حدوث هذه الجولة الحالية من المتاعب، لم يكن يشعر أي أحد بذلك الحماس إزاء أعماله الفعلية، وإذا كان يحتاج لجمع المال بالفعل، «فإنه سيعاني من أجل إقناع المستثمرين أن بإمكانه تحقيق عائدات تفوق تكلفة رأس المال خلال السنوات المقبلة». لكن تلك الأمور لا تبدو مشابهة للكارثة الحادة التي تعرض لها بنك ليمان، وإنما هي أقرب إلى كونها مقارنة بالنسخة المكثفة من الفترة الحزينة البطيئة للخدمات المصرفية في فترة ما بعد الأزمة عموما. ربما تنجح الجهود المبذولة لجعل الخدمات المصرفية مملة في جعل أزماته حتى مملة. الصدى الآخر لعام 2008 هو بالطبع أن الحافز وراء حدوث المشاكل الحالية لبنك دويتشه هو الجهد، الذي تبذله وزارة العدل الأمريكية لفرض غرامة عليه بقيمة 14 مليار دولار بسبب المخالفات، التي ارتكبها في عام 2008. (أقصد بذلك، بيعه سندات سيئة مدعومة بالقروض العقارية في الفترة التي سبقت الأزمة). يقول موقع Vox فوكس: «إن الأمر يتعلق بقيام بنك دويتشه بتسديد تكاليف الأزمة المالية». وتأمل وزارة العدل الموافقة على تسوية جامعة مع بنك باركليز وكريدي سويس وبنك دويتشه حول قضايا القروض العقارية الخاصة بها، وذلك بتجميعهم «لتحقيق أقصى قدر من التأثير العام من خلال جمع مبلغ لافت للنظر في العقوبات قبل أسابيع فقط من انتخابات الرئاسة الأمريكية». هنالك رأي شعبي سائد -بين السياسيين وأعضاء النيابة العامة والجمهور- مفاده أن البنوك التي تسببت بحدوث أزمة عام 2008 لم تقدم للعدالة على نحو مناسب. يعتقد الكثير من الناس بأن ردة الفعل تجاه أزمة عام 2008 كانت متساهلة جدا مع البنوك، ويرغبون في أن يتمكنوا من إنهاء الامر، بطريقة تفشل فيها البنوك من دون عمليات إنقاذ، أو تعيد رسملة نفسها من خلال خفض المكافآت، أو في أفضل الحالات التعويل على المصادر غير المربحة أو المتواضعة أو المسببة للقلق. ربما يكون من الجميل لو أن الغرامة التي تُفرض بسبب الأزمة الأخيرة تمنحها فرصة للقيام بعملية تجميل. كما يجب علي أيضا أن أقول إنه وقت محرج بالنسبة للاتحاد الأوروبي بأن يشتكي حول ارتفاع متطلبات رأس المال في البنوك.