لا أزال أحتفظ في ذاكرتي بمجموعة عزيزة من زملاء دراستي، وخاصة في المرحلة الابتدائية حيث كان لها أكبر الأثر في تحول مجرى حياتي الدراسية إلى يومي هذا، نعم فقد انتقلت من مدرسة إلى أخرى ووجدت نفسي بين رفاق لديهم شغف للتعلم وترحاب لمن يفد إليهم وقد حفزني هذا على التفوق في مستواي الدراسي بعد أن كنت في ذيل القافلة، وسعدت بصحبة أصدقاء لسنوات تالية. إن زملاء الدراسة، يمثلون المجموعة التي ستقضي معها أكثر وقتك، واختيارك للزملاء الذين تقربهم من نفسك، سيكون أكبر النتائج على شخصيتك، ومجرى حياتك المستقبلي. وسواء أكنت في التعليم العام أو الجامعي فإن علاقتك مع الزملاء ستساعدك في جعل حياتك الدراسية إما إيجابية مليئة بذكريات النجاح وإما سلبية لا تجني منها إلا الإخفاق والندامة.. لذلك سيكون من المهم أن تحرص على أن تزن علاقتك بزملاء الدراسة وتوسيع شبكة علاقاتك معهم على ضوء الخصال التالية: 1. اغتنم فرص أنشطة التعارف أو اصطنعها: الأسابيع الأولى من الفصل الدراسي فرصة سانحة للتعرف على أصدقاء جدد، ولا تضيع الوقت بالبحث عن أصدقائك القدامى، بل عرّف بنفسك للطلبة الجدد، وتذكر أن الكثير لديه الرغبة بالتعارف. وسّع دائرة التعارف، ولا تحصر علاقاتك مع من تعرف فقط، وفي الأدب النبوي: عَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهمَا أنَّ رَجُلاً سَألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسْلامِ خَيْرٌ؟ قال: ((تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ)) متفق عليه. والحياة الجامعة تتيح للطالب فرصة الالتقاء بزملاء من جهات مختلفة،{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (13) سورة الحجرات. 2.احسن الاختيار: ستقابل أنماطا متعددة من الزملاء، من الصعب أن تجعل الجميع اصدقاء مقرّبين، اختر بعناية! وأحط نفسك بمجموعةٍ من الطّلاب الإيجابييّن والطّموحين تجنب النوعيات (السامة) التي قد تؤثر سلبا على شخصيتك وأخلاقك ومسيرتك التعليمية وابتعد عن المثبطين... وأذكّرك عزيزي القارئ بابن عباس رضي الله عنهما الذي يحكي موقفا مع مثبط فيقول: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجباً لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله من فيهم؟...فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألونني فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني) رواه الدارمي. ولا تسر في ركاب أصحاب الأهواء في اللهو والتسوق والتسكع فهؤلاء سينفّرونك من مهام الدراسة ذات المتطلبات المتزايدة وقد تنخرط معهم في سلوكيات غير مرغوبة لا تستطيع الفكاك منها. 3.وطِّن نفسك: توطين النفس يعني التخلص من (الإمعية)، يقول ابن مسعود ((اغد عالما أو متعلما، ولا تكونن إمعة)) وهناك أثر يوضح المقصود بالإمعية نصه: (لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا) رواه الترمذي، والمعنى صحيح، لكنه ضعيف السند. والإمعية تنتج عن قابلية الاستهواء Suggestion، وتعني سرعة تصديق آراء الاخرين دون التحقق من صدقها. وهي حالة من الركود العقلي التام التي يسلم فيها الفرد ذهنه للآخرين يقودونه حيث يشاءون. ومفردة الاستهواء ذكرت في القرآن الكريم (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا) (سورة الأنعام الآية 71). ويمكن توطين النفس على مقاومة الاستهواء من خلال محاور ثلاثة: أ- تأكيد الذات (Self-assurance): هو قدرة الطالب على التعبير الملائم (لفظاً وسلوكاً) عن مشاعره وأفكاره وآرائه تجاه زملائه والمواقف من حوله والمطالبة بحقوقه دون ظلم او عدوان. ب- التفكيرالمنطقي (Logical thinking): هو التفكير الذي يمارسه الطالب عند محاولة بيان الاسباب والعلل التي تكمن وراء الاشياء، ومحاولة معرفة نتائج الاعمال والحصول على الادلة التي تؤيد أو تثبت وجهة نظره أو تنفيها. ج- الاقتناع (conviction): هو استناد الطالب على الأدلة والحجج التي قد تؤدي الى ترجيح صحة الشيء أو قبوله لبرهان الحقيقة. مهم ألا يستهويك شيوع فكرة أو مقولة أو سلوك بين الزملاء فتتقبلها كأمر مشروع دون أن تمعن النظر والتفكير..وصدق الله تعالى الذي خاطب أصحاب العقول بقوله: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة المائدة (100).