منذ توحيد مناطق المملكة وتأسيس المملكة العربية السعودية في 23 سبتمبر 1932 بقيادة المغفور له بإذن الله، الملك الموحد، عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، تستند السياسة الخارجية إلى مبادئ وثوابت ومعطيات جغرافية - تاريخية - دينية - اقتصادية - أمنية - سياسية، وضمن أطر رئيسية أهمها حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج والجزيرة العربية، ودعم العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول ويدافع عن قضاياها، وانتهاج سياسة عدم الانحياز وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة ولعب دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية. وتنشط هذه السياسة من خلال عدد من الدوائر الخليجية، العربية، الإسلامية، الدولية. وإيماناً بأهمية دور المملكة الرائد حرص قادة البلاد، منذ عهد المؤسس حتى الوقت الحاضر، على الإسهام بدور مؤثر في تأسيس أهم المنظمات العالمية والإقليمية ودعمها مثل الأممالمتحدة. وجامعة الدول العربية. ومنظمة المؤتمر الإسلامي. ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. وفي عهده تم توقيع أكثر من 70 معاهدة واتفاقية، وزاد عدد تلك الاتفاقيات والمعاهدات لتصل حوالي 135 معاهدة واتفاقية في أواخر عام 1973م. سياسة خارجية حكيمة تمكن الملك عبدالعزيز آل سعود من قيادة سياسة المملكة الخارجية في زمن تشابكت فيه العلاقات الدولية، فبدأت الدولة الفتية في توطيد موقعها على الساحة الدولية بتبنيها سياسة خارجية اتسمت بالحكمة والرزانة والعقلانية. وواصلت المملكة في عهد الملك سعود، رحمه الله، الذي تولى قيادة البلاد خلفاً لوالده، في إرساء سياسة خارجية حكيمة وترسيخ العلاقات مع الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، حرص من خلال علاقات السعودية الخارجية على السير بها بين القوى المختلفة بتوازن دقيق محققاً مصالح بلاده وأمته العربية والإسلامية، الأمر الذي كان موضع تقدير الكثير من القادة والساسة المعاصرين له. وفي ذروة احتدام الصراعات العربية الإسرائيلية، التي شهدت أوج احتدامها في حرب العاشر من رمضان 1393ه الموافق السادس من أكتوبر 1973، وكانت المملكة إحدى الدول المشاركة في الحرب، فأمر بقطع إمداد البترول عن الدول المؤيدة لإسرائيل، فكان مسانداً لتلك القضية ماديّاً ومعنوياً إلى أن نالته يد الغدر واغتيل سنة 1975. وبعد أن تولى الملك خالد، رحمه الله، الحكم عام 1975، ترأس العديد من المؤتمرات المحلية والإقليمية في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما ترأس عدة مؤتمرات إسلامية، ويُعد من مؤسسي مجلس التعاون الخليجي، وحضر أول مؤتمر قمة لهذا المجلس المهم والمؤثر في عام 1981. واهتم بعدد من القضايا العربية والإسلامية، من أبرزها القضية الفلسطينية. ولقد تجسدت المبادئ الأساسية الخارجية للمملكة في كلمة الملك خالد حيث قال: (كلمتنا تعتمد على الصدق والأمانة قولا وعملا، الأمر الذي أكسبنا ثقة الأمتين العربية والإسلامية خاصة، والمجتمع الدولي بصفة عامة؛ لأننا نسلك في سياستنا طريقا واضح المعالم، وهي سياسة تأخذ في اعتبارها نصرة دين الله، وعزة الأمة الإسلامية، وتأييد قضاياها، والأخذ بجميع الأسباب وصولا لغايتنا النبيلة، ليس من أجل سعادة ورخاء الإنسان السعودي فحسب، بل وفي سبيل رخاء الأسس الدولية، لهذا فإن بلادنا تعطي من ذاتها ما تراه ضروريا لحفظ أمن وسلام العالم مدركة مسؤوليتها تجاه المجتمع الإنساني وازدهاره). ودائماً ما اتسمت السياسة الخارجية للمملكة باتزان الموقف ووضوح الهدف، وتجلى ذلك عبر علاقاتها العربية والإقليمية والدولية، ومن خلال مواقفها التي ما فتئت تعبرعن سياسات مستقلة تأخذ بعين الاعتبار البعدين العربي والاسلامي كركيزة أساسية في التعامل مع دول العالم المؤثرة في القرار الدولي. الخليج أولا وتقوم سياسات المملكة على أربع ركائز، خليجية، عربية، إسلامية ودولية ممثلة دوائر اهتمام متصاعد للتعامل حسب مرئيات المواقف وحساسيته وأبعاده الجيو سياسية. وتعتبر الدائرة الخليجية من أهم دوائر السياسة الخارجية السعودية منذ تأسيس المملكة، وذلك لأسباب عدة أهمها أواصر القربى والارتباط التاريخي والجوار الجغرافي المميز الذي يجمع المملكة بدول الخليج العربية، إلى جانب تماثل الأنظمة السياسية والاقتصادية القائمة فيها. وإيماناً من المملكة وباقي دول الخليج بالقواسم المشتركة بينها ورغبة منها في توحيد وتنسيق السياسات المشتركة وأهمها الأمنية والدفاعية في خضم أزمات وصراعات تحيط بالمنطقة وتؤثر عليها بأشكال عدة، اتفقت إرادات قادة دول الخليج الست على تأسيس «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» في عام 1981م، ليكون الإطار المؤسسي لتحقيق كل ما من شأنه الوصول إلى صياغة تكاملية تعاونية تحقق كل رغبات وطموحات دول المجلس الست على المستوى الرسمي والشعبي على كل الأصعدة السياسية - الأمنية - الاقتصادية - الاجتماعية - العلمية - الثقافية.. وغيرها. والسياسة الخارجية السعودية في الدائرة الخليجية ترتكز على أسس ومبادئ من أهمها: أن أمن واستقرار منطقة الخليج هو مسؤولية شعوب ودول المنطقة. بالإضافة لحق دول مجلس التعاون في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها بالطرق التي تراها مناسبة، وتكفلها مبادئ القانون الدولي العام، وذلك في مواجهة أية تحديات خارجية كانت أم داخلية. وكذلك رفض التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، والعمل على الوقوف صفاً واحداً أمام أي اعتداء على أي من هذه الدول معتبرة إياه اعتداءً على البقية. وتعزيز التعاون فيما بين المملكة وبين دول المجلس وتنمية العلاقات في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، الأمنية، الاجتماعية، الثقافية. وأيضا من خلال العمل الدؤوب والجاد على تصفية كافة الخلافات (خاصة الحدودية) بين دول المنطقة بالتفاهم القائم على مبادئ الأخوة وحسن الجوار. والحرص الشديد على أهمية التنسيق الاقتصادي بين دول المجلس من خلال الحث المستمر على توحيد السياسات الاقتصادية وإقامة الصيغ التكاملية الملائمة مع إيلاء عناية خاصة للتنسيق حول السياسات النفطية لدول المجلس بما يخدم مصالحها باعتبار أن النفط سلعة استراتيجية لهذه الدول. مهد الإسلام ومنبع العروبة وأدركت المملكة منذ تأسيسها أهمية العمل العربي المشترك وتوحيد الصف العربي، لذا فقد سعت مع ست دول عربية مستقلة آنذاك للاجتماع في محاولة صادقة لوضع آلية لتنظيم العلاقات العربية والعمل العربي المشترك ولخدمة مصالح هذه الدول وقضاياها، فكان تأسيس «جامعة الدول العربية» والتوقيع على ميثاقها في شهر مارس من العام 1945م. والسياسة الخارجية السعودية في دائرتها العربية ترتكز على مبادئ وأسس ثابتة منها حتمية الترابط بين العروبة والإسلام، فالمملكة تمتاز بكونها مهد الإسلام ومنبع العروبة، وهذا تأكيد سعودي دائم منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه- وأبنائه من بعده. وضرورة التضامن العربي بما يقتضيه ذلك من التنسيق بين الدول العربية بهدف توحيد المواقف العربية وتسخير كل الإمكانيات والموارد التي تملكها الدول العربية لخدمة المصالح العربية. والواقعية والمتمثلة في البعد عن الشعارات والمزايدات المضرة لأمن واستقرار العالم العربي، والبعد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. وسيط نزيه ونظراً لما للمملكة من مكانة ومصداقية في محيطها العربي، وما تتسم به سياستها من توازن وعقلانية فقد لعبت دوراً مهماً كوسيط نزيه ومقبول لحل الخلافات العربية (الداخلية والإقليمية)، انطلاقاً من اهتمام المملكة بالمحافظة على التضامن العربي. وقامت بجهود توفيقية عظيمة هدفها إزالة الخلافات العربية الجانبية التي تفتّ في عضد ووحدة الصف العربي. وفي هذا الإطار أولت حكومة المملكة العربية السعودية اهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى، وعنصراً رئيسياً في سياستها الخارجية، ولا غرو في ذلك والمملكة تحمل على عاتقها منذ عهد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود الدفاع عن القضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية ولم تتخاذل أو تتقاعس يوماً عن نصرة القضية تحت أي ذريعة بل نذرت نفسها لخدمة القضية نحو الوصول إلى حلول أو تسوية عادلة. وأيضاً لعبت دوراً في انهاء الحرب الأهلية في لبنان ببذل جهود تمخضت عن مؤتمر الطائف الذي اتفق فيه اللبنانيون على إنهاء الحرب وابرام اتفاق مصالحة وطنية وإرساء سلام ينعم اللبنانيون به حتى اليوم، وأيضاً توسطت المملكة في قضايا خلافات بين المغرب والجزائر، وساهمت في إرساء السلام بين المسلمين الفلبينيين وحكومتهم، ودعت علماء الشيعة والسنة في العراق لكتابة ميثاق يحرم الطائفية وإراقة سفك الدماء، وعقدت مؤتمر مصالحة وواسطة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، وكذلك عقدت مؤتمر سلام للأفغان، ووساطة بين الفصائل الصومالية. خدمة العالم الإسلامي كان الإسلام ولا يزال أهم العوامل المؤثرة في عملية تحديد أولويات السياسة الخارجية السعودية. فالمملكة ومنذ نشأتها تعمل على حشد وتكريس قدراتها ومواردها وتسخيرها لخدمة قضايا العالم الإسلامي وتحقيق أسباب ترابطه وتضامنه استناداً إلى حقيقة الانتماء إلى عقيدة واحدة، وأن التكافل الإسلامي هو السبيل لاستعادة المسلمين مكانتهم وعزتهم. وفي سبيل تحقيق التضامن الإسلامي سعت المملكة وبادرت مع شقيقاتها الدول الإسلامية بإقامة منظومة من المؤسسات الإسلامية الحكومية وغير الحكومية ومنها رابطة العالم الإسلامي في عام 1962م، ومنظمة المؤتمر الإسلامي في عام 1969م (التي تحولت إلى اسم منظمة التعاون الإسلامي في 2011) واحتضنت المملكة مقريهما، وينبع ذلك الجهد من التصور التكاملي لمعنى التضامن الإسلامي الذي يشمل عدة مفاهيم لعل أهمها مفهوم الأمن الجماعي للدول الإسلامية، والعمل على تسوية المنازعات بين الدول الإسلامية بالطرق السلمية، وتقديم المعونات الاقتصادية للدول والمجتمعات الإسلامية ذات الإمكانيات المحدودة، وتقديم المساعدة والإغاثة العاجلة للدول الإسلامية المنكوبة، ومناصرة المسلمين والدفاع عن قضاياهم وتوفير الدعم المادي والمعنوي للتجمعات الإسلامية أينما كانت من خلال المساهمة السخية في بناء المساجد وإنشاء المراكز الحضارية الإسلامية، وتسعى السياسة الخارجية السعودية في الدائرة الإسلامية إلى تحقيق أهداف التضامن الإسلامي الشامل. علاقات دولية متكافئة وتحرص المملكة العربية السعودية في المجال الدولي على إقامة علاقات متكافئة مع القوى الكبرى والتي ارتبطت معها بشبكة من المصالح التي يمكن وصفها بأنها جاءت كانعكاس لدورها المحوري المتنامي في العالمين العربي والإسلامي، والتي سعت من خلالهما إلى توسيع دائرة التحرك السعودي على صعيد المجتمع الدولي، لذا تحاول المملكة أن تتفاعل مع مراكز الثقل والتأثير في السياسة الدولية آخذة في الحسبان كل ما يترتب على هذه السياسة من تبعات ومسؤوليات. وتعتز المملكة بكونها أحد الأعضاء المؤسسين لهيئة الأممالمتحدة في عام 1945م، انطلاقاً من إيمان المملكة العميق بأن السلام العالمي هدف من أهداف سياستها الخارجية، فهي تدعو باستمرار إلى أسس أكثر شفافية للعدالة في التعامل بين الدول في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها باعتبارها السبيل الوحيد إلى الازدهار والرخاء والاستقرار في العالم، ومن ثم فإنها لا تؤمن باستخدام القوة كأداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية، ولكنها تؤمن في ذات الوقت بحق الدفاع المشروع عن النفس وذلك كقاعدة من قواعد القانون الدولي. وإيماناً منها بأهمية الدور الذي تلعبه هيئة الأممالمتحدة ووكالاتها المتخصصة والمنظمات الدولية عموماً في سبيل رقي وازدهار المجتمع الدولي في كافة المجالات وفي مقدمتها الأمن والسلم الدوليان، فقد انضمت المملكة إلى كل هذه المنظمات وحرصت على دعم هذه المنظومة الدولية بكل الوسائل والسبل المادية والمعنوية والمشاركة الفاعلة في أنشطتها. ويمكن القول إن السياسة الخارجية السعودية في المجال الدولي تستند على أسس ومبادئ مستقرة وواضحة ومنها: حرص المملكة على التفاعل مع المجتمع الدولي من خلال التزامها بميثاق الأممالمتحدة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المنضمة إليها وقواعد القانون الدولي التي تحدد إطار السلوك العام للدول والمجتمعات المتحضرة. والتزامها بعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية وبعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وشجب العنف وجميع الوسائل التي تخل بالأمن والسلم الدوليين، والتأكيد على مبدأ التعايش السلمي بين دول العالم. وأيضا حرصها على استقرار أسواق النفط العالمية، والسعي لتنمية التجارة الدولية على أسس عادلة ومن خلال أسس اقتصاديات السوق الحر. وصبغ السياسة الخارجية السعودية بصبغة أخلاقية من خلال تبنيها مبدأ مساندة ضحايا الكوارث الطبيعية والمشردين واللاجئين في العديد من دول العالم. ثوابت السياسة الخارجية وأخيرا، يمكن إيجاز الثوابت والمبادئ الأساسية للسياسة الخارجية السعودية عموماً في انسجامها مع مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء باعتبارها دستوراً للمملكة، واحترام مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة ورفض أي محاولة للتدخل في شؤونها الداخلية. بالإضافة للعمل من أجل السلام والعدل الدوليين، ورفض استخدام القوة والعنف وأي ممارسات تهدد السلام العالمي أو تؤدي إلى تكريس الظلم والطغيان. وإدانة ورفض الإرهاب العالمي بكافة أشكاله وأساليبه، والتأكيد على براءة الإسلام من كل الممارسات الإرهابية. والالتزام بقواعد القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية والثنائية واحترامها سواء كان ذلك في إطار المنظمات الدولية أو خارجها. وكذلك الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية من خلال الدعم المتواصل بشتى الوسائل السياسية والدبلوماسية والاقتصادية. وعدم الانحياز ونبذ المحاور والأحلاف التي تخل بالأمن والسلم الدوليين، مع احترام حق الشعوب في تقرير المصير وحقوقها المشروعة في الدفاع عن النفس. وتطبيق سياسة متزنة ومتوازنة في مجال إنتاج وتسويق النفط، نظراً للثقل الذي تمثله المملكة كأحد أكبر المنتجين وصاحب أكبر احتياطي نفطي في العالم. زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - إلى الولاياتالمتحدة في الخمسينيات الملك فيصل والملك خالد والملك فهد والملك عبدالله -يرحمهم الله- خلال تأديتهم العرضة السعودية