* انبثق هذا السؤال وأنا أدلف استراحة برية بين المدن في إحدى الدول العربية حينما توقفت السيارة للاستراحة.. نزلنا من الحافلة التي كانت مليئة بالجنسين، وكان الراكبون يقطعون المسافة الطويلة بالأحاديث الودية والحكايا الطريفة وتبادل الآراء، وكنت أقوم بالرد والتوضيح على الاستفسارات التي يطرحها البعض نتيجة ما يراه وما يسمعه من بعض وسائل الإعلام وبتصحيح المعلومات المغلوطة عن بلادنا من قبل عامة الناس، كل ذلك يسير بشكل عفوي وأخوي وبريء بين ركاب الحافلة من النساء والرجال دون أن يحصل أي نوع من الاذى أو المضايقات أو الإحراج أو غير ذلك لأي فرد من ركاب الحافلة، وبخاصة النساء... بل إن أغلبهن كن يقمن بتوزيع الماء البارد والحلوى والمكسرات على الركاب، وأخريات يتحدثن مع بعضهن بلطف وهدوء (فلا طاحت نجوم السما، ولا تاه في الظلمة قمر)! وتصل الحافلة إلى محطة استراحة في وسط الطريق فندخل ونرى المشهد الآتي: * المحطة كبيرة، واسعة بها ركن لألعاب الأطفال، وصيدلية، ومسجد ودورات مياه ومحلات لصيانة السيارات وتغيير الزيوت وسوق مركزية ومقهيان ومطعم كبير وغرف نوم للمبيت وساحة خضراء خارجية وفي داخل المقهيين ما لذ وطاب من أنواع القهوة والشاي والمرطبات والمأكولات والمعجنات واللحوم والوجبات الخفيفة والرئيسة وفناء واسع للجلوس وأجهزة لياقة رياضية و(مساج) تعمل على الدفع النقدي المعدني وغير ذلك. هذا والمسافرون بكل فئاتهم وأجناسهم وأعمارهم يلتقون في هذه الاستراحة. نسيت أن أذكر شيئا مهما قبل ان يفلت مني وهو أن كل تلك المرافق والخدمات المذكورة نظيفة جدا والأرض المبلطة تلمع نظافة، ولا تجد فيها عاملا واحدا ليقمَّ المكان، عدا (دورات المياه) -أعزكم الله- وحتى هذه لا تقل نظافة عن سواها، بل معطرة. * أقول هذا والله دون مبالغة ولا زيادة ولا نقصان. * ولأن المثل يقول: ليس مَنْ رأى كمَنْ سمع.. فدونكم في ذلك كل استرحات الطرق الطويلة في بلدان المغرب العربي وتركيا واوروبا وشرق آسيا، وبدأنا نجد مثل ذلك ولو بشكل أقل في بعض استراحات دولة الامارات العربية المتحدة.. * وأثناء تناول القهوة.. ينبثق هذا السؤال الذي سبق أن طرحه العديد من الكتّاب ويبثه كل مواطن بحزن وحسرة وأسف: * لماذا لا يكون مثل كل هذا أو بعضه في بلادنا الغالية.. المملكة العربية السعودية؟ * الحافلة تشق الطريق بين المدينتين في تلك الدولة العربية بمقدار 6 ساعات.. وكان الجميع بحبور وسلام.. * ونعود لمشهد الاستراحة فنسأل.. أين دور الجهات المسؤولة التي تملأ الصحف المحلية يوميا بأخبار وفعاليات لا يعرفها المواطن ولا يراها ولا يلمسها ولا يحس بها ولا هي بارزة ولا مشهودة. وإذا جاءت هذه التساؤلات لومًا وغيرة وطنية لبعض الجهات وان كانت ليست وحدها وقيعة اللوم، بل يشاركها بجزء اكبر رجال الأعمال السعوديون في استثمار ذلك.. فأين هم وأين مشاريعهم في إنشاء استراحات؟ * إن أكبر دعاية حقيقية للوطن هي ما يراه المسافر والعابر في مثل هذه المحطات من الجنسيات المختلقة، التي تأتي إلى بلادنا للحج والعمرة والزيارة النبوية وزيارة العمل والاهل والاقارب والمعارض والمناسبات والمهرجانات المختلفة... فينقل ما يراه مباشرة وعن قرب الى بلده وأهله، لا بما يسطر في وسائل الاعلام.. * لماذا لا يكون عندنا مسرح جميل كبير بسيط -كما رأيناه- في هذه الدولة العربية العريقة التي هي أقل من بلادنا امكانات مادية بكثير..؟ فيتم العرض المسرحي بلا موانع ولا حرج.. * لماذا لا تكون عندنا فرقة موسيقية تشارك في اعيادنا وافراحنا وترصد تراثنا الموسيقي والفني..؟ * آه.. ماذا تقول يا محمد.. وأنت تريد فرقة موسيقية ووطنية.؟ كم أنت (تهرطق)/ اقلب الصفحة، وقل شيئا آخر.. المفروض ان ينتشر الجمال في بلادنا، فنحن لسنا اقل من الآخرين لطفا وجمالا وذوقا وكلاما وانسانية وودا واحتراما لكل الفئات والاجناس وبخاصة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..