مدن المملكة تترابط كحبات عقد لؤلؤي رغم ما يفصلها من مسافات الامتداد والتباعد , حيث تتميز الخدمات التنظيمية والجمالية بنوع من التكامل داخل المدينة , فالإشارات الإرشادية بأسماء المناطق والشوارع غاية في الوضوح , والخدمات الأساسية وحتى الترفيهية غالبا متوفرة . فهناك بعض الشوارع الجاذبة للسياحة يميزها كثرة المقاهي والمطاعم مثل شارع التحلية الذي يبهرك بالمقاهي ذات الأسماء العربية والغربية والثمامة المعروفة باستراحاتها وعبق روائح النرجيلة فيها , والمرسلات بممشاها الجميل الزاهي بالراكضين حوله من الجنسين النحيف منهم والسمين , والسليمانية بمطاعمها الشامية تصطف على الجانبين , أما المنفوحة فهي متضامنة مع البطحاء في غياب التجديد والعيش على الذكريات . ولكن الانتقال التدريجي نحو الضواحي أو السفر خارج المدينة ؟ يقزم الصورة السياحية الترفيهية الجميلة التي عايشناها داخل المدينة , فالخدمات تخبو شيئا فشيئا حتى تتوارى عن الأنظار . خطوط السفر الإقليمية , التي يعبرها المسافر بأطفاله وعائلته , وربما زوجته الحامل , تفتقر لمشاريع البنية التحتية والمسافر بحافلات النقل , نادرا ما يستمتع بما حوله , فيخلد إلى النوم أو الضجر من طول المسافة فيتململ في مقعده عشرات المرات , هاجرا الكتب الجميلة والأجهزة المحمولة والصحف والمجلات بل والطبيعة من حوله , ومنهم من يحملق في سقف الحافلة أو أرضيتها أو يختلق محادثة أو مشكلة مع من حوله !! الدول الغربية لديها فنادق مصممة للطرق البرية الطويلة وأسعارها معقولة , لماذا لا تتحول الشقق المفروشة المتبعثرة بشكل اعتباطي إلى مشروع عملاق لمواصفات موحدة على شكل فنادق , يعلن عنها في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي . وبعض الدول العربية رغم صغرها إلا أن السياحة فيها شريان حياة ودخل وطني هائل , لماذا لا نحول دولنا الكبيرة إلى لبنان جميل بنجوميته , دون المساس بثوابتنا وتقاليدنا أو نستفيد من تجربة دبي بلد الأبراج والشواطئ الذي سحر العالم حين اكتشف الخلطة السرية للتجارة والسياحة . أين أصحاب المقاهي والمطاعم المعروفين بجودة منتجهم , أين محطات الوقود الراقية التي يرافق تواجدها متاجر تديرها أيادي وطنية مدربة , بعيدا عن البسطات العشوائية التي تديرها عمالة وافدة تفتقر لأبسط قواعد التجارة في غياب الرقيب أو حتى بحضوره! وأين الكتيبات السياحية والمرشدين ذكورا وإناثا يشرحون للذين يعبرون المناطق , الأهمية التاريخية والجغرافية والدينية لبعض المواقع , حتى السائقين وأهل المنطقة يمكن تحويلهم لأدوات داعمة للسياحة بالتدريب الميداني . المسافر البري ما زال مجبرا على تحمل ما لا يحب أن يراه , فحتى قضاء الحاجة , يشكل كارثة , حمامات مهجورة أو شبه مهجورة قذرة , نجبر زائريها على تفضيل الانزواء خلفها بدلا من دخولها ؟ أين الحمامات الجميلة برائحة المناديل المعطرة تصطف بجانب الاستراحات , لقضاء الحاجة أو الوضوء , أليست النظافة والطهارة علامة المسلم عن غيره ؟ أين سلات المهملات الناطقة والصامتة تنتشر على الأرصفة والشوارع الجميلة , وحتى الشوارع ذاتها تستسلم بالعادة لنبش مواسير المياه والكهرباء أو لدغدغة فصل الشتاء وفيضاناته . سائقي الحافلات هم أكثر الناس خبرة بخفايا الطرق فهم يعرفون كل مطب وحفرة , ويقومون بجهود مشكورة رغم ما يؤخذ عليهم من أعمال السمسرة لدى بعض المطاعم باقتياد الركاب إليها إضافة لاستجداء الركاب بالإكراميات . بل وتشجيع الركاب على التدخين داخل الحافلة بإشعال سيجاراتهم أولا , ليستنشق الراكب طوال الطريق روائح الأطفال وسرطان التدخين , أين الحافلات الإنسانية لا التجارية بسائقيها اللبقين خلقا وذوقا ...؟ ولعل حملة ابتسم الخاصة بالتربية السياحية المدرسية التي أطلقتها هيئة السياحة والآثار حديثا وحملة قافلة البعد الحضاري وحملة تراثنا يغني والاجتماعات الشبابية التشاورية لها بصمات واضحة في محاولة لنشر الفرح على المواطنين والمستثمرين والمسافرين في كافة المرافق الوطنية والسياحية . وتسلط الضوء على متاحفنا وآثارنا الوطنية ببعدها الحضاري والإنساني , وتبشر بغد ضاحك ليس فيه إلا الأجواء التي يعشقها القلب والروح في التراث والمتاحف والآثار والطرقات بكافة خدماتها. فالبعد الحضاري لمملكتنا الحبيبة بجذوره الإسلامية العريقة هو بناء الصورة الايجابية المشرقة بكل جزئياتها البرية والبحرية والجوية وحتى دررها المكنوزة في أعماق التراب أو المناطق الأثرية هي هوية سياحية من واجبنا جميعا المساهمة في رقيها , ومساندتها بالسياحة الصناعية ببناء الشلالات والأنهار الاصطناعية والمناظر الطبيعية من حدائق ومعالم بارزة على نمط ساعة مكةالمكرمة مثلا , ومهرجانات التسوق التي يقدم لأصحابها وزائريها كافة التسهيلات المخلوطة بالضيافة والنخوة العربية , فصورة العربي في الغرب رغم زخم جهودنا ما زالت لا تتعدى جملا ونخلة . مشوار تشجيع السياحة الوطنية ما زال بحاجة لتعاون العديد من الجهات المسؤولة عن البنية التحتية أولا وعلى رأسها المستثمر الوطني أو الأجنبي لإزالة وهدم ما هو غير صالح قبل الشروع بالبناء , للرقي بالمستوى السياحي المطلوب , وليس من العبث إعادة دراسة الأمور الطاردة للسياحة . فطين عبيد [email protected]