حيثما وجدت الحاجة إلى حشر كائنٍ في وضعية المهانة، لا بد أن يقع الاختيار على المرأة كما يقول المفكّر «مصطفى حجازي». لهذا فإن كانت المرأة من ذات الوزن الزائد فإن ذلك يجعلها مدعاة أكثر من الرجل وأكثر من غيرها من النساء للتمييز المظهري (lookism) أي التمييز القائم على (مظهر) الإنسان ومدى تطابقه مع المقاييس العامة للجمال المنتشرة في المجتمع؛ بسبب ثقافة الجماهير، حيث يتأثّر مجتمعنا بالنماذج المثالية للجمال من النساء الثريّات والفنانات، ونجوم السوشال ميديا اللاتي يشكّل بعضهن الجمال الأسطوري الكامل الذي لا يعرف الخطأ أو القبح أو التشويه. وهذا ما يدعو النساء عموماً لاتباع متاهات الحميات الغذائية وأدوية التنحيف وارتداء المشدّات وعمليات التخسيس؛ لتفادي نظرات المجتمع؛ وخوفا من صعوبة إيجاد ملابس مناسبة لمقاسهن، مروراً بسخرية الناس والتعليقات، ووصولاً إلى تهديدها باستحالة إيجاد عمل أو شريك يصلح لحياتها. الأمر الذي قد يعرضهن أحيانا لسوء التغذية والأمراض والأخطار مقابل غزو النحافة الذي تروج له وسائل الإعلام. وأكثر دعم لهذا الترويج من قبل مسؤولي وسائل الإعلام أنفسهم، وهو ما جعلني اغتاظ جدا قبل أيام من قرار الإعلامية «صفاء حجازي» رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري حين قامت بمنع ظهور 8 مذيعات من ذوات الوزن الزائد من الظهور على الشاشة، وذلك لحين خضوعهن لنظام غذائي؛ لإنقاص وزنهن، المشكلة أن التقرير نشر الأسماء وشهّر بالمذيعات، ممّا أدى إلى تداول الخبر عبر الصحف والمواقع والأخبار التي سخرت منهن، دون أدنى تقدير لمهنيتهن أو عائلاتهن أو ذواتهن. الرئيسة قامت بمنح المذيعات مهلة الشهر الواحد فقط؛ لتنفيذ هذه المهمة الصعبة، ولا يهم إن كان المذيعات سيصلن للوزن المناسب الذي وضعت مقاييسه السيدة «حجازي» وهن بصحة جيدة، أو بأدوات صحية وطبيعية أو بعملية تجميلية، المهم أن يصبحوا عضواً في هذه المنظومة الجمالية المفروضة عليهن حتى لا يتعرضن للنبذ أو المكوث خلف الشاشة بدلا من أمامها، و(الخلف) طبعاً هو المكان الذي يناسب أحجامهن من وجهة نظر المسؤولين عن الإعلام العربي. يبدو أن الرئيسة تريد تعريض طاقمها لمهمة (التجويع) الذي يعتبر جزءا من نظام السيطرة على النساء كما تقول «نعومي وولف» بمعنى أن «أجسام النساء لا تخصّهن، بل تخص المجتمع، وبالطبع ومثلما يحدث لأجسامنا، يحدث لوعينا أيضاً». نعم.. الوعي الذي بدأ يتأثر بكل المقولات والمفاهيم والتصورات التي تضع المرأة في أقفاص نمطية مظهرية تخلق عنها صورة مزيفة عن الجسد وتلك الشخصية أو المرأة الحقيقية التي تملكه.