لبعض الكتب طرافتها، خاصة إذا ما طرقت بابا قلما يُطرق، أو ناقشت موضوعا جاذبا ندُرت مُناقشته، وأزعمُ أن موضوع «العين» و«الحسد» و«الحُساد» من الموضوعات الطريفة، التي تجد لدى طبقات المجتمع بكل تبايناتها حضورا كبيرا، بل لها رواجها حتى بين أهل العلم والمعرفة، ومؤخرا وقع بين يدي مُؤلف يتناول هذا الموضوع الشائك، بما له من قوة تأثير مجتمعي لافت، فوجدته كتابا طريفا كونه يتتبع مسألتي العين والحسد عبر رحلة تاريخية طويلة، ويسعى لرصد خفاياهما العجيبة الغريبة، لكنني بعد القراءة والتدقيق وجدت نفسي حيال هذا المقال، ولا أدري لماذا، تماما كمن يخرج من حالة دهشة يريد التعبير عنها!! شخصيا كلما وقعت عيني على عنوان كتاب ظريف طريف جاذب أقول: إن الكاتب الفذ هو من يلتقط من الموضوعات المطروحة في الطريق أكثرها ندرة وأقواها صعوبة. ولقد وعى كتابنا الأوائل لمثل تلك المسألة، فخاضوا غمارها ببراعة وحرفية، لذا فالمكتبة العربية التراثية زاخرة بكم من ابداع مثل هذا النوع من الكتب، وبنسبة تفوق ما انجزه العرب في حاضرهم، فكُتاب العرب القدماء رصدوا ظواهر لم تكن لِتخطر على بال كاتب، وفي كتب عديدة، منها مثالا لا حصرا: «المستطرف في كل فن مستظرف»، و«العقد الفريد»، و«البخلاء» «وقصص العرب» وغيرها كثير. أود القول: إن براعة الكتاب العرب القدماء مكنتهم من جعل عناوين كتبهم الجاذبة ملاءمة لمحتواها، حيث لم يعرفوا بعد موضة الكتب الدعائية أو التجارية، كما هو الحال الآن، وهذا الكتاب الذي وقعت عيني عليه مثال على ما أقول. فلاشك في أن مجالا حساسا كموضوع العين والحسد والحساد والإصابة بالعين التي لا يمكن انكارها مطلقا بين الناس، سيجد جاذبية لدى الكثيرين، بل ويهمهم أن يطلعوا على أسراره و«بلاويه»، استنادا إلى قوله تعالى في محكم التنزيل: «ومن شر حاسدٍ إذا حسد»، وما أشار إليه رسول الرحمة عليه أفضل الصلاة والتسليم أن: «العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا». لقد شهدت هذه الزاوية في سلسلة مقالاتي عرضا لعدة كتب ذات موضوعات طريفة ككتاب «أسوأ مهنة في التاريخ»، وكتاب «الجسد»، وكتاب «احذر الأصدقاء»، وكتاب «كيف تصبح ناجحا». واعترف اعترافا صريحا بأنني اقتنيتها في البدء لجاذبية عناوينها ولطرافة هذه العناوين، لكن عليك الحذر ثم الحذر حين تلتقط عنوانا مبهرا بحيث لا تجعل سقف توقعاتك عاليا جدا، لأنك قد تواجه - بعد صفحة الغلاف - مفاجأة مفجعة، فلا تكاد تخرج منها ومن قراءتها وضياع وقتك عليها سوى بدهشتك من طرافة عنوانها، وهذه المسألة تعود بالدرجة الأولى لجشع سماسرة الكتب، سواء الناشرين أو المؤلفين الذين يتخذون من تجارة الكتاب بضاعة كأي بضاعة، فيسوقون كتبهم الرديئة عبر تلك العناوين الجاذبة، ويحصدون أموال القراء بدس هذه العناوين الطريف على الأغلفة، وقد يتفقون مع مؤلفين لا علاقة لهم بالكتابة مطلقا ولا بالمنهجيات العلمية في التأليف كي يبيعوا عناوين فحسب، وهنا أعود إلى الكتاب الذي بسبب عنوانه الجاذب رحلت بكم في كل هذه المسافات، كي أتحدث عنه وعن طرافته إن كان فيه طرافة تواكب طرافة عنوانه ودهشتها، وهذا ما سأستكمله معكم في مقالي المقبل بإذن الله.