يبدو من مجريات الأحداث في اليمن، وفي ظل كثافة الدعم الإيراني للحوثيين والتأييد الروسي المؤقت، أننا نتجه للمزيد من التعقيد جراء العنت الحوثي والفشل الأممي في إنهاء المحادثات التي انتهت بالكويت دون حسم او خارطة طريق واضحة، وتعطيل أطراف القوى الغالبة على الشرعية لأي نتيجة مفيدة يمكن أن تُخرج البلاد من هيمنة التطرف والتوتر والصراع إلى حالة البناء والوفاق الوطني. غربياً لا يبدو أن أمريكا أيضا متفرغة بالقدر الذي يجبر من تتحاور معهم في طهران ومن تقر بحركتهم في سوريا والعراق، حازمة أمرها على ردعهم في اليمن، ما يجعل التحالف الدولي الذي تقوده المملكة العربية السعودية مضطرا للاستمرار في إعادة الأمل ووقف التدهور وانهاء التمرد على الشرعية ونهب الدولة وخيراتها لصالح النفوذ الإيراني. خطوة الانقلابيين الأخيرة في الاجتماع في البرلمان وإن لم تُحقق الأغلبية وثمة جدل على شرعيتها، إلا أن إعلانها السياسي عن منح الثقة للمجلس السياسي الذي أعلنه «الحوثيون» وحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، لحكم البلاد من جانب واحد، مؤشر على ثبات ما قاله اللواء احمد العسيري الناطق باسم التحالف الدولي، أن جماعة الحوثي وصالح استفادت من طول أمد مفاوضات ومحادثات الكويت لتغيير التكتيك العسكري، وكذلك السياسي، وهو ما بدا جليا بعد الاجتماع المشار إليه، والذي اعقبه نقل صلاحيات رئيس الدولة إلى المجلس السياسي الأعلى ورفع رئيس البرلمان يحيى الراعي الجلسة، التي شهدت أداء رئيس المجلس صالح الصماد اليمين الدستورية، لطرف واحد من الشعب، وجماعة واحدة لا ترى الانتصار إلا في المزيد من التأزيم والفشل المتتالي ومناهضة أي محاولة للحل السياسي وتمكين إيران من حكم اليمن. في المقابل مثلت هذه الخطوة ضربة لجهود المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ الذي لم يمض وقت طويل على إعلانه انتهاء محادثات الكويت، والتعهد باستئنافها في غضون شهر مرجئا سبب الفشل في المحادثات إلى غياب الثقة، لكن المتابع لحركة ولد الشيخ يرى أنه لا يحمل إرادة دولية في أخذ الانقلابيين نحو الحل، ولا يبدو أن الغرب بالتحديد، يود السرعة في حسم الملف، وعلى الأرجح ثمة إرادة دولية غربية وأممية لا تود التعجيل في انهاء الصراع في اليمن. ومع ان الوقائع العسكرية تؤكد التفاف جل اليمنيين على مسألة الحل، ووقف الصراع وانهاء الهيمنة الإيرانية، إلا أن أنصار الحوثي ومن معهم لا يرون هذا الاجماع ويقرون بعنت وصلف سياسي غريب على التمسك بمطالبهم التي تتجاوز سقف الدولة والعملية السياسية وتحول البلاد إلى طوائف متصارعة وتنهي الأمل بعودة اليمن كما كان. على الأرض تحقق قوات التحالف المزيد من الانتصارات، وصحيح أن الصراع طال، لكن ما البديل عن ذلك؟ إنه المزيد من الفوضى والهيمنة الإيرانية، والمزيد من الخراب والبؤس، وسوف تكون اليمن صومالا آخر لغضون عقد من الصراع الذي سوف يبيد كل شيء. صحيح أن خطوة الحوثيين ومن معهم من أنصار صالح، بدت وكأنها حظيت بمباركة روسية على لسان القائم بأعمال السفير الروسي في صنعاء أوليغ دريموف الذي أبدى تأييد بلاده للمجلس السياسي الأعلى الذي تشكل بجلسة برلمان ناقصة الشرعية، وهي التصريحات التي نفاها القائم بالأعمال الروسي، إلا أن موسكو لن تذهب - على ما يبدو - الى أبعد من ذلك الحضور اللحظي، والذي بددته الاتصالات الروسية ذت الأيام القريبة التي وردت من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره اليمني وحملت تأكيدات لافروف وقوف موسكو مع الشرعية وقرارات مجلس الأمن ودعمها القرار 2216. إذا، ماذا تحقق للانقلابيين غير جمع برلمان غير مكتمل، وابراز مظاهر التسليم للسلطة في القصر الرئاسي لرئيس لا تُجمع عليه إلا عصابة؟ لعل القراءة للمشهد اليمني كانت سابقا تختلط فيها الأوراق والاجتهادات، لكنها اليوم باتت واضحة، فمن انقلب على الدولة اليمنية وجلب إيران لليمن وأحلها صاحبة ولاية على مصائره، لم يعد قادرا على احراز أي انتصار إلا في القاعات المغلقة وعلى نفس المجموعات المنتمية إليه، وهو ما يؤكد الإفلاس من تحقيق أي نصر حاسم عسكريا أو سياسيا. تسليم السلطة الذي جرى في القصر الرئاسي اليمني والذي أدى فيه صالح الصماد اليمين الدستورية أمام أعضاء مجلس النواب الموالين للحوثيين وصالح وبحضور قيادات الجماعة وقيادات من المؤتمر الموالين لعلي عبدالله صالح، وتبادل فيه الطرفان الحوثي والصماد العلم اليمني في القصر الجمهوري بصنعاء، حضرت فيه كل أنفاس الانقلابيين وغابت فيه الدولة وأهل اليمن ممن يرون أن ما حدث هو بيع العلم والدولة لإيران من جديد، وعجز عن تحقيق انتصار يبدو ممتنع الحدوث بالنسبة لهم. لحظات تسليم العلم في القصر الرئاسي