لم يكن مفهوم الركوب المجاني دارجا في ادبيات الفكر الاقتصادي قبل ان يتناوله كتاب «منطق الفعل الجمعي» للبروفيسور (مانكور أولسن) عام 1965، وبالرغم من ورود مصطلح «الركوب المجاني» لمرة واحدة في ذلك الكتاب إلا ان المصطلح نال اهتماما لدى الباحثين يعكس اهمية المفهوم في تطوير النظريات الاقتصادية. وهناك العديد ممن سبقوا (مانكور أولسن) في طرح هذا المفهوم بشكل مقتضب مثل (سومنر سليتشر) عام 1949 و(السيناتور روبرت تافت) عام 1951، وتلا ذلك شرح بإسهاب للمصطلح من البروفسور جيمس بوكانن في ورقة عمل عام 1963. وقد تطور مفهوم الركوب المجاني لتصل تطبيقاته للعديد من السياسات الاقتصادية والمفاوضات التجارية. وتعددت تعريفات هذا المفهوم خلال القرن الماضي الى ان استقر مضمونه حديثا ليعرف بالانتفاع من الخدمات او السلع دون المشاركة في تحمل كلفة تقديم تلك الخدمات او مصاريف انتاجها، مما يجعل هذا الانتفاع عبئا اقتصاديا عند تقديم الخدمات في المرافق العامة او عبئا على قطاع اقتصادي محدد يقابله انتفاع لقطاعات اخرى. ومن أبسط الامثلة لاستيعاب مفهوم الركوب المجاني هو استفادة المزارعين من وجود خلايا نحل مملوكة لشركات انتاج العسل، حيث يقوم النحل بتلقيح الازهار مما يرفع من نسبة انتاج الثمار التي تحقق عوائد للمزارعين دون ان يتحملوا كلفة تلقيح ازهار النباتات. ويتسع المفهوم لدراسة حالات أخرى من الانتفاع يمتد اثرها السلبي الى الغير كحق الانتفاع بالهواء النقي، حيث ان انتفاع قطاع اقتصادي من انتاج خدمة او سلعة مقابل تلوث الهواء دون تحمل عبء ما يترتب على تلوث الهواء يندرج ضمن مفهوم الركوب المجاني. ورغم ان البعض يدرج ذلك ضمن مفهوم «العوامل الخارجية للانتفاع» إلا ان المصطلحين هما وجهان لعملة واحدة. ويترتب على ذلك النشاط تضرر المجتمع من التلوث خصوصا عند الافراط في الانتفاع من سقف غير محدد لانبعاثات الغازات في الاجواء المفتوحة، ما يتطلب كبح اثر النشاط الملوث للبيئة عبر فرض قيود على ذلك النشاط، وتتنوع تلك القيود مثل فرض ضريبة على مقدار محدد من الانبعاثات او تحديد سقف لها للتخفيف من وطأة التلوث على الصحة العامة. وعند البحث عن تطبيقات لمفهوم الراكب المجاني نجد منها ظاهرة الدعم الحكومي غير الموجه، الذي يجعل نطاق الدعم الحكومي يشمل الجميع بما فيهم الراكب المجاني القادر على تحمل عبء شراء السلعة عند ازالة الدعم عنها ولكنه يحصل عليها نتيجة اتساع تطبيق الدعم ليشمل الجميع بما فيهم القادر على الاستقلال ماليا عن الدعم الحكومي. ونجد تطبيقا آخر لمفهوم الراكب المجاني من خلال ظاهرة الافراط في استخدام الادوية، حيث ان العديد من المراجعين للمستشفيات حول العالم لا يحتاجون الى ادوية المضادات الحيوية ولكن يتم صرفها بشكل يؤدي الى هدر الدعم الحكومي لاسعار الادوية، بالإضافة الى احتمال تزامن ذلك مع قدرة الميكروبات على مقاومة فعالية الادوية والتي بدورها تؤدي الى تدني فعالية الدواء في المستقبل وهو الضرر الاضافي من ظاهرة الركوب المجاني. ويعتبر مفهوم الراكب المجاني وسيلة للاجابة عن كيفية معالجة ظاهرة الهدر في المنافع العامة وما يطرأ من ظواهر سلبية نتيجة عدم استشعار المنتفع بأهمية الحفاظ على استدامة خدمات المرافق العامة. وكلما ارتفع عدد من يسري عليه وصف الراكب المجاني لمنفعة معينة اصبح من الصعب استدامة تلك المنفعة العامة، مما يجعل مفهوم الراكب المجاني اداة فعالة في تفسير اتجاه تشريعات اقتصادية تحاول معالجة خلل الافراط في استخدام المنافع الاقتصادية، سواء كانت تلك التشريعات تتعلق بتنظيم تحصيل الرسوم المرتبطة بخدمة عامة او تقييد الحصول على منافع محددة من خلال شروط تحدد حق الانتفاع. وقد تطرق البروفيسور الفرنسي فيليب فونتين في ورقة عمل منشورة في مجلة «تاريخ الفكر الاقتصادي» الى مفهوم الركوب المجاني، حيث اشار الى ان هذا المفهوم ساهم في ظهور الخلاف الفكري بين مؤيدي مبدأ الاسواق الحرة وبين مناصري التدخل التشريعي لتنظيم نشاط الاسواق. وكان لتعدد الدراسات حول ذلك المفهوم دور كبير في تبرير التدخل الحكومي في طريقة عمل الاسواق الحرة من خلال القوانين التي قيدت نشاط الاسواق الدولية. ومن التجارب التي تعالج الاثر السلبي لظاهرة الركوب المجاني تجربة الخصخصة للمرافق العامة مثل مرفق الكهرباء، حيث اتجهت بعض الدول الى خصخصة مرفق الكهرباء مع الحفاظ على هامش من الدعم الحكومي الموجه لشرائح محددة من المجتمع لا تستطيع الاستقلال ماليا عن الدعم الحكومي. واتجهت دول أخرى الى الخصخصة الكاملة دون الدعم الحكومي، وقد أدى ذلك الى تداعيات اجتماعية سلبية نتيجة عدم قدرة بعض المستهلكين على مواكبة التغيرات السعرية لسلعة اساسية في الحياة اليومية. ومن التشريعات الاقتصادية التي ساهمت في الحد من ظاهرة الركوب المجاني في العديد من الدول وضع قيود زمنية للصيد البحري لمنع الصيد في موسم تكاثر الكائنات البحرية، حيث ان الافراط في الصيد وقت تكاثر الكائنات البحرية يعد افراطا في استهلاك منفعة عامة، ويرتب ضررا كبيرا على استقرار البيئة البحرية يتطلب وضع القواعد التي تكفل الحفاظ على الثروة السمكية في كل الدول. وكذلك نجد تطبيقا للتشريعات التي خففت من سلبية مفهوم الركوب المجاني من خلال تقييد نشاط التعدين عبر منح امتياز التعدين للمنشآت المؤهلة التي تستطيع تنمية قطاع التعدين دون الاضرار بالبيئة المحيطة بمنطقة استخراج المعادن حتى لا يترتب على نشاط التعدين ضرر على الصحة العامة. وفي سوق العمل نجد تطبيقا لمفهوم الركوب المجاني من خلال استفادة القطاع الخاص من عدم وجود حد ادنى للاجور، حيث ان الشركات تنتفع من تدني الاجور للعمالة الوافدة لرفع هامش الربحية نتيجة عزوف المواطن عن اجور تلك المهن. ومع ان التدخل التدريجي لوزارة العمل لمعالجة فرق الاجور ساهم في تخفيف حدة ظاهرة الركوب المجاني في سوق العمل إلا ان ظاهرة الركوب المجاني قد تستمر الى ان يتم وضع حد ادنى للأجور بناء على معايير مرجعية دولية. وكذلك نجد محاولات للعديد من الدول للتخفيف من ظاهرة الركوب المجاني في المرافق العامة، فمثلا تقوم بعض الدول بفرض رسوم عبور للطرق السريعة ورسوم لاستخدام مرافق المطارات بالإضافة الى رسوم للتخزين المؤقت للبضائع في الموانئ البحرية. وبالتالي يتزامن استخدام المنفعة العامة مع دفع قيمة تلك الرسوم التي تساهم في معالجة ظاهرة الركوب المجاني. كما نلحظ تطبيقا لمفهوم الركوب المجاني في مسألة مكافحة الاغراق التجاري. ويقصد بالإغراق التجاري ظهور سلعة مستوردة في السوق المحلي بأسعار اقل من مثيلاتها في بلد التصدير مما يؤدي الى اضرار جسيمة للمنشآت المحلية في الدول المستوردة. وعند حدوث الاغراق التجاري تقوم بعض الشركات بطلب اتخاذ التدابير اللازمة مثل فرض زيادة في التعرفة الجمركية لمعادلة اسعار السلعة المستوردة مع السلع المحلية او فرض قيود على كمية السلعة المستوردة او التفاوض مع الشركة الاجنبية لتسوية الخلاف التجاري. وللقيام بذلك تقوم بعض الشركات بتحمل تكاليف واتعاب فريق العمل الذي يتكفل بالتواصل مع جهة الاختصاص او الشركة الاجنبية للوصول الى نتيجة مرضية لحماية السلع المحلية من الاغراق التجاري. وعندما ترفض بعض الشركات دفع مبالغ مالية لتغطية تكاليف فريق العمل الذي يتولى الاعداد والتنسيق لمكافحة الاغراق التجاري فإنها تحصل على منفعة من الحماية من الاغراق التجاري والذي يعتبر تطبيقا لمفهوم الركوب المجاني. وقد تدفع ظاهرة الركوب المجاني الى التساؤل عن امتداد هذه الظاهرة بين الدول من خلال استغلال دولة ما لمنفعة تجارية على حساب دولة اخرى. ونجد الاجابة عن هذا التساؤل في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي تمنح اي دولة عضو في منظمة التجارة العالمية حق الانتفاع من اي ميزة واردة في اتفاقيات ثنائية تمنحها دولة عضو الى اخرى حتى لو لم تقم تلك الدولة بالاتفاق معها. فمثلا عند قيام دولة ما بإزالة عوائق تجارية بينها مع دولة اخرى لتعزيز التبادل التجاري فإن بقية الدول الاعضاء في منظمة التجارة العالمية تستطيع الانتفاع من هذه الخطوة بالرغم من عدم قيامها بمجهود عملي للوصول الى تلك الميزة التجارية. ولذلك يعتقد الكثيرون بوجود ظاهرة الركوب المجاني بين الدول الاعضاء في منظمة التجارة العالمية. ولكن حسب دراسة لجامعة جورج تاون في عام 2006 قام بها كل من (رودني لودمان) و(آنا مايدا) فإن الاعتقاد بوجود ظاهرة الركوب المجاني بين الدول لا يتحقق إلا عندما يكون لدى احدى الدول حصة ضئيلة من الصادرات في العالم يجعلها تتغاضى عن المشاركة في المفاوضات التجارية ويدفعها لترك عبء التفاوض للدول التي تمتلك حصصا كبرى في الاسواق الدولية. وبالتالي تقوم الدول التي لديها حجم من الصادرات الضخمة لسلعة معينة بالمشاركة في المفاوضات التجارية والذي يفسر ندرة حدوث ظاهرة الركوب المجاني بين الدول، وعند حدوثها فمن المتوقع ان تكون ذات اثر ضعيف على منفعة الدول المشاركة في المفاوضات التجارية. ومما سبق يتبين تعدد التطبيقات الاقتصادية لمفهوم الركوب المجاني ومن اهمها تحديد نطاق الانتفاع من المرافق العامة. وقد استقرت مبادئ السياسة الاقتصادية السعودية على الدعم الحكومي لكافة القطاعات الاقتصادية على الوجه الذي يكفل نمو الاقتصاد بمعدلات تحقق مفهوم التنمية المستدامة، ولكن ذلك لا يمنع من اعادة قراءة اوجه الدعم الحكومي اذا تبين تجاوز نطاق الدعم للغاية المرجوة منه خصوصا إذا تزامن ذلك مع انتفاع مفرط للمرافق العامة.