شركات مليارية، تنال مشاريع تنموية كبرى، ومع أول هزة مالية تعجز عن دفع رواتب موظفيها. شركات يمتد عمر بعضها لأكثر من خمسين سنة، وتعجز عن إدارة مخاطرها، وتفشل في وضع خطط للتصرف في أوقات انخفاض أسعار النفط. شركات يتفاخر ملاكها بكونهم على قائمة أثرياء العالم ولا يملكون أي خطة لديمومة شركاتهم في الدورات الاقتصادية التي لا يمكن تفاديها. شركات تستنزف من سيولتها لتبقى هشة ورقية تعصف بها الدورات الاقتصادية ذات اليمين وذات الشمال. والضحية كالعادة هم الموظفون والعمال المغلوبون على أمرهم والذين يبقون بلا رواتب، والضحية أيضا مشاريعنا التنموية التي أقرت لينعم الجميع ببنية تحتية متحضرة وراقية، أما ملاك هذه الشركات فلا هم يتأثرون ولا ما هم يحزنون. البعض يعتقد أن الشركات ذات المسؤولية المحدودة وضعت لخلق مثل هذه الحالة، وهذا خطأ لا ينبغي المرور عليه مرور الكرام، إنما وضعت الشركات ذات المسؤولية المحدودة للحفاظ على أموال الملاك من تدهور شركاتهم في الظروف الطبيعية، أما في حالة تقصد استنزاف أموال الشركة وعن قصد لخلق حالة فوضوية تعصف بالأخضر واليابس وتسبب المآسي الأسرية وتعطل المشاريع التنموية، ففي هذه الحالة لابد من المساءلة ولابد من وضع شبهة الاحتيال نصب أعين المحققين. بعض الشركات المليارديرية المتعثرة كانت ترسو عليها المناقصات بالتسمية وبهامش ربح مضمون، ومع اول دورة مالية هابطة إذا بها تعلن العجز عن دفع رواتب موظفيها، هكذا وبكل بجاحة للأسف الشديد. المشكلة تكمن في عملية الاستنزاف المقصودة، وترك هذه الشركات بلا ملاءة مالية تذكر. استنزاف ممنهج ومقصود يعلم من يقوم به بنتائجه. عقلية تركت قطاع المقاولات في بلادنا في مهب كل عاصفة مالية لتدمره، وعند كل دورة اقتصادية صاعدة نتساءل أين شركاتنا الوطنية التي تملك القدرة على التنفيذ. عقلية قصيرة النظر، لا يمكن الاعتماد عليها لبناء قطاع المقاولات المهم والذي بدونه لا يمكن تنفيذ المشاريع الكبرى. قبل أعوام كنا نعاني من تعثر المشاريع، وما يستغرق تنفيذه عاما كان يأخذ خمسة أعوام، هكذا جهارا نهارا. والآن انهيارات وتعثرات بالجملة. وما لم تحل مشكلة هذا القطاع المترنح فسنشهد نفس المشكلة في الدورات الاقتصادية المرتفعة القادمة. أما الأخبار المتداولة عن مفاوضات لبيع حصص شركات مليارية بغرض سداد ديونها ودفع الرواتب المتأخرة لموظفيها المغلوبين على أمرهم، ومفاوضات لشراء أجزاء ووحدات ضمن هذه الشركات من تحالفات تجارية فأرى ايجابيتها، وارجو من الله ان يتفادوا فشل الإدارات السابقة في هذه الشركات والوحدات. أخبار إيجابية لأن هذه الشركات، سواء بإداراتها أو ملاكها الحاليين لا يستحقون الدعم على الإطلاق، فكل دعم يقدم يتم استنزافه بطريقة رهيبة لتبقى هذه الشركات ورقية هزيلة تذروها الرياح. كما أتمنى على هذه التحالفات بناء شركات ذات احتياطات مالية تمكنها من العمل باستمرارية في الدورات الاقتصادية المتقلبة بطبيعتها، وأرجو أن تدار مخاطرها بما يمكنها من وضع سيناريوهات للحالات الاقتصادية تضمن معها عدم التعثر في تنفيذ المشاريع التنموية والتي تمس كل المواطنين والمقيمين بل وحتى الشركات المنفذة لها. هناك شركات اينعت، وحان وقت قطافها؛ وأرجو أن يتم ذلك بسرعة حتى لا تتعطل مصالح المواطنين والمقيمين العاملين بها والذين تعكر صفو استقرار حياتهم بسبب فشل إدارات وملاك هذه الشركات في دفع مستحقاتهم المالية من رواتب ونحوه. شركات كنا نعتقد أنها تملك الحد الأدنى من القدرة على إدارة مخاطرها، فإذا بها تظهر على حقيقتها مع أول دورة اقتصادية هابطة، شركات ورقية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، أساءت استخدام الدعم واستنزفته. شركات حان وقت قطافها وبلا رأفة.