رغم انخفاض الايرادات الذي اتضح من خلال استقراء مفردات وأرقام ميزانية الدولة الجديدة التي صدرت يوم أمس بسبب تدني أسعار النفط في الأسواق العالمية الا أن المملكة ماضية في الانفاق ومتجهة نحو المشروعات ذات الصبغة التنموية المستدامة، فالتغييرات التي طرأت على الميزانية سوف تدفع الحكومة لاتخاذ خطوات عملية بمواكبة ما حدث من تراجع ايراداتها النفطية والخروج من انعكاسات ذلك التراجع بسلام. ولعل من الملاحظ أن الميزانيات السابقة للدولة أظهرت تفوقا ملحوظا في عمليات الانفاق، ويتضح ذلك من الأرقام القياسية المعلنة بما يؤكد أن الانفاق تجاوز تلك الميزانيات بطريقة متصاعدة منذ عام 2010م، وقد جاء ذلك رغبة في دفع عجلة التنمية بوتيرة متسارعة، وقد انعكس ذلك ايجابا على مختلف الانجازات النهضوية الهائلة التي حققتها الحكومة الرشيدة خلال السنوات الفائتة. وزيادة الإنفاق اذا ما قورنت في السنوات الماضية مع الميزانيات المعلنة تعكس تحديا في الادارة العامة بموارد الدولة، ورغم ذلك فان ادارة تلك الميزانيات اتسمت بأفضل الممارسات المنعكسة على العمليات التنموية للدولة في شتى القطاعات، غير أن تراجع الايرادات سوف يدفع لاتخاذ خطوات ترشيدية لن تؤثر على الانفاق ولكنها سوف تعالج ما حدث من تراجع واضح في الايرادات المرتبطة جذريا بتراجع أسعار النفط. وازاء ذلك التراجع في أسعار مادة استراتيجية تعتمد عليها المملكة كدخل رئيسي لها رغم توجهها الحثيث لتنويع مصادر الدخل سوف يدفع لتحول اقتصادي صائب لتوجيه النفقات في الميزانية المعلنة الجديدة نحو أفضل المشروعات التنموية المستدامة التي من شأنها التعامل مع تراجع أسعار النفط ومن ثم تقليص الفارق الكبير بين النفقات المقدرة والنفقات الفعلية. ومن البديهي أن نفقات الميزانية المقبلة لن تقل في حجمها عن ميزانيات الأعوام السابقة بما يعطي مؤشرا واضحا باستبعاد حدوث انكماش اقتصادي أيا كان نوعه بسبب التوجه الحكيم لتخصيص النفقات المقبلة على المشروعات التنموية المستدامة والاهتمام بآليات تنفيذها بطريقة سوف تؤدي الى تقليص واضح للفارق بين المتوقع انفاقه والانفاق الفعلي في الميزانية المعلنة. ولا شك أن الزيادة في النفقات الفعلية هي زيادة غير محسوبة طرأت على مستجدات داخل أرقام الميزانية كتلك المتعلقة بمنح رواتب وعلاوات لموظفي الدولة، غير أن الاحتياطيات الكبيرة للمملكة والأصول المملوكة والقدرة على الاستدانة هي عوامل تترجم التوقعات باستمرارية السياسة المالية التوسعية ومعاكسة الدورة الاقتصادية، وهذا يعني قدرة المملكة على مواصلة النمو في الانفاق رغم هبوط أسعار النفط. غير أن الدولة بامكاناتها تلك سوف تواجه انخفاض أسعار النفط على الأمدين القصير والطويل، وسوف تبتعد عن وسيلة التوقف عن الصرف فتجارب الدول التي لجأت الى هذا الأسلوب لمواجهة العجز في ميزانياتها العامة أدى الى تباطؤ أنشطتها الاقتصادية وألحق الضرر بمشروعاتها التنموية، وقد يؤدي هذا الى ظهور كساد اقتصادي، وهي أمور من المستبعد حدوثها بالمملكة نظير ميلها الى تنفيذ مشروعات تنموية مستدامة تواجه بها كل المخاطر والتحديات.