من الأمور التي قلما يختلف فيها اثنان أن السلوك يكتسب بعضه بالتعلم واستمرار التعود عليه، تحت تأثير المحيط الأسري أو الاجتماعي، وبعضه الآخر يكتسب بقوة القانون الذي يفرض أنماطا من السلوك تنسجم مع الإرادة الجمعية في حماية المجتمع وأفراده من أي انحراف قد تنعكس نتائجه سلبيا على واقع الحال، وربما أسست لما هو أكثر انحرافا في المستقبل، لذا كانت سلطة القانون هي الرادع الوحيد لتقويم أي انحراف سلوكي مهما كان نوعه، حيث لا يعول على الطبيعة البشرية في اتباع النهج السليم، حين يعلن الشر عن وجوده من خلال بعض التصرفات المسيئة للفرد والجماعة، ومن طبيعة الإنسان النزوع إلى الخير أو الشر، والقانون هو الذي ينتصر للخير دائما من خلال العقوبات التي يفرضها على كل منحرف، وبغير هذه العقوبات لا يمكن أن يستقر المجتمع، أو يزدهر في أي مجال من مجالات النهضة، ومهما بلغ الإنسان من العلم، تظل احتمالات الانحراف لديه واردة، ما لم يتوفر الردع الحاسم، فالقانون وحدة هو ما يعود الناس على سلوك معين، ويخلق الوعي لديهم بذلك السلوك، عبر تكرار التجارب، وتراكم الخبرات، والخوف من العقوبات، وبذلك يكون الوعي المكتسب بقوة القانون، هو أحد دعائم النهضة، وأحد علاماتها البارزة، ثم إن النهضة لا تتحقق في ظل غياب القانون. ممارسات أفراد المجتمع بصفة عامة لابد أن تخضع لمقاييس الردع الحاسم وبقوة القانون، لتتلاشى أوجه القصور أو الإهمال التي قد تظهر تلك الممارسات من بعض هؤلاء الأفراد، وفي مجتمعنا - كما في أي مجتمع - من الأفراد من يبلغ به عدم المبالاة حد الإضرار بنفسه أو بغيره، وما تتعرض له البيئة لدينا من أضرار، هو وجه من وجوه عدم المبالاة أو الإهمال أو الاستهتار إذا أردنا أن نسمي الأشياء بمسمياتها، وهو استهتار لا يمكن الحد من انتشاره سوى بالحسم الرادع من خلال سن قانون يرغم كل من تسول له نفسه الإساءة للبيئة أن يراجع نفسه مرارا قبل الإقدام على تصرفه المعيب، ولو وجدت العقوبات الصارمة والغرامات الرادعة، وطبقت على الجميع، لما رأينا الأوساخ تنتشر في كل مكان.. في أماكن الترفيه في البر وعلى الشواطئ والحدائق العامة والأسواق والطرقات والشوارع والحارات، ولهذا ما له من الأضرار التي كثر الحديث عنها، والتي تؤثر على الصحة العامة، وتشوه المجتمع، وتسيء لسمعة الوطن، ولن تصبح النظافة ثقافة عامة لمجرد انتشار لوحات التحذير وعبارات التوعية، بل لا بد أن يقترن ذلك بقوة القانون، والعقوبات هي وحدها القادرة على منع كل التصرفات غير المسئولة التي يرتكبها بعض الأفراد، والتي أصبحت مع مرور الوقت ظاهرة عامة. في بلدان أخرى لا نرى من يرمي عقب السيجارة أو يبصق في الطريق، لأنه يعرف أنه سيعاقب على ذلك، أما نحن فحدث ولا حرج في مثل هذه الأمور وما هو أشد منها، وبصور بشعة لا تمت إلى التحضر بصلة، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، وكثرتها المفرطة لا سبيل للحد منها سوى بقوة القانون، ومن خلال عقوبات لا تعرف المهادنة أو التساهل، وقد جربنا كثيرا النصائح والتحذيرات دون جدوى، وحان الآن وقت الردع الحاسم وبقوة القانون وما يفرضه من عقوبات ترغم المهملين على ترك إهمالهم، وتعاقب المخطئين بقدر أخطائهم، وتعوّد الأفراد على السلوك السوي المعبر عن تحضر المجتمع والوطن، وليس هناك ما هو أكثر تشويها لنهضة المجتمع من إهمال أفراده، وتهاونهم فيما لا يليق التهاون فيه، وليس هناك ما هو أكثر إساءة لازدهار المجتمع من عدم شعور أبنائه بوجوب المحافظة على سمعته، وتقديم صورة مشرفة لهذا المجتمع من خلال الممارسات الحضارية التي تعطي الانطباعات الحسنة للآخرين، وتقدم المثل الأعلى للمواطن الحريص على سمعة مجتمعه ووطنه ودينه الذي أوصى بالنظافة وجعلها من الإيمان. عاقبوهم كي يتعلموا المحافظة على البيئة، ولا يتركوا مخلفاتهم في كل مكان.