اشتعلت النار في ملابس ما سماهم دونالد ترامب «نخبة واشنطن»، بعد أن نشر خمسون منهم، في صحيفة نيويورك تايمز، رسالة مفتوحة إلى الأمريكيين يقرعون المرشح الجمهوري للرئاسة، ويتهمونه بأنه جاهل ومتهور وعنيد وأنه خطير يمكن أن يدمر أمريكا. و«النخبة» هم جمهوريون سبق أن عملوا في إدارات سابقة، بينهم اثنان من رؤساء المخابرات الأمريكية السابقين، وبعضهم عمل في إدارة الرئيس السابق، الممعن في الجهل والتهور والسذاجة جورج دبليو بوش (الابن)، وأقدموا على حماقات لن يرتكب ترامب أفظع منها، خاصة شلة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، وصقور غزو العراق ولوبيات إيران والمحافظين الجدد. ورد ترامب على رسالتهم بحدة، ووصفهم بأنهم «مجرد نخبة واشنطن الفاشلة التي تسعى للتمسك بسلطتها». وطالب بمحاكمتهم لفشلهم وارتكابهم أخطاء كارثية. و«نخبة واشنطن» في أمريكا، مثل «المؤسسة» الأخطبوطية في بريطانيا ودول أخرى، ومثل «النظام الموازي» في تركيا، حيث يقول الأردوغانيون إن «النظام الموازي» الذي يلاحقونه بعد انقلاب 16 يوليو، هو خلايا عميقة وأذرع ذات نفوذ، تستخدم قوتها المالية والفكرية للسيطرة على الدولة وتوجيهها. ولا يبدو لي أن «نخبة واشنطن» (الموازية) أكثر رحمة بالعالم ولا أكثر تنويراً من ترامب، لكن تتأنق بالكلمات وتنظيرات العلاقات العامة. وعلى الأرجح فإن ترامب محق بمواجهة شبكة المؤسسة التي تعود مريدوها، على مدى 16 عاماً، على وجود رئيس ضعيف في البيت الأبيض، وهم، عن بعد، يتولون إدارة الدولة الأمريكية، وعضلات القوة العظمى وتوجيهها حسب أيديولوجياتهم وتنظيراتهم، وربما مصالحهم. ترامب رجل فظ وعنيد ومتهور، فقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز قبل يومين أنه التقى وزيري الخارجية اللامعين السابقين، هنري كسينجر وجيمس بيكر، وبعد المقابلة قال إنهما قد تحدثا وزوداه ب «كثير من المعلومات». وحينما سئل عما إذا كانت معلومات الوزيرين «الكثيرة» قد غيرت من رؤاه، أجاب ب «لا». وهذا الخلاق الترامبي هو أكثر ما يخيف «النخبة» المؤسسة، ويخيفنا أيضاً، على الرغم من أن العرب لا يذكرون من نخبة واشنطن ومؤسساتها سوى هدايا الدماء والدمار وتدمير بلدان عربية واشعال حرب الحضارات وشيطنة المسلمين، وتقديم العراق هدية مجانية نفيسة إلى ملالي طهران. في عهد الرئيس جورج بوش الابن، لم يكن ريتشارد بيرل زعيم زمرة المحافظين الجدد، يتولى أي منصب حكومي في واشنطن، ولكنه كان الموجه الفعلي لسياسات الولاياتالمتحدة، وهو الذي أشعل حرب الحضارات، وهو ومجموعته التي انتشر أعضاؤها وفي مقدمتهم بول وولفتز (نائب وزير الدفاع السابق) في المفاصل الحساسة في الوزارات الأمريكية، وهندسوا غزو العراق، وأهدوه إلى إيران لتنشر الطائفية والفوضى والتدمير وثقافة الكره في ربوع بلاد الرافدين. وهم الذين وسوسوا للرئيس بوش الابن، بالسلوكية الأحادية، واستخدام القوة الأمريكية لتدمير بلدان، بحجة محاربة الإرهاب. وترامب يبدو مخيفاً، لكنه، على الأقل، تلقائي وواضح أكثر مما يفعل خريجو العلاقات العامة المخاتلين الذين يقطعون نصف وعود ويتخذون نصف قرار، ويفون بنصف عهد، ويختطفهم مستشار مفوه، أو مستشارة سليطة لسان. *وتر في ما وراء الماء.. في نصف الدنيا الغربي.. حيث تماس العتمة والضوء وأفراح ودموع حزانى.. ومآتم.. ومهج غضة، ونخب تحيي مكاييلها وتتفاخر بالمزادات.. وصوت نوارس طليقة، تجوب ضفاف النهر..