هل من الممكن التوصل إلى فهم أفضل عن الصين اليوم، من خلال النظر إلى التاريخ الاقتصادي للبلاد؟ أنا لا أعني أعوام الشيوعية تحت حكم الرئيس ماو، ولكن الأوقات التي سبقت ذلك، تلك التي تبدو بالنسبة لكثير من المراقبين الغربيين مثل تسلسل واضح لسلالة إمبراطورية تلوى الأخرى. لنتمعن في كتاب ريتشارد فون غلان «التاريخ الاقتصادي في الصين: من العصور القديمة إلى القرن التاسع عشر»، وهو كتاب من المرجح أن يعتبر واحدا من أفضل الكتب لهذا العام. على مدى السنوات ال 15 الماضية، مرت مهنة الاقتصاد من سوء فهم للتاريخ الاقتصادي للصين إلى معرفة لا بأس بها. كتاب فون غلان مليء بالتفاصيل لكنه سلس، وهو أفضل دليل على جسم المعرفة هذا الذي ينمو بسرعة. استخلصت العديد من الدروس الشاملة، لكن علي أن أشير إلى أن هذه تعتبر استقراءاتي وليست بالضرورة آراء فون غلان. أولا، في التاريخ الصيني على مدى آلاف السنين ليس هناك الكثير من الاتجاه نحو الديمقراطية أو حكومة تمثيلية. في عصر كانت فيه تركيا وروسيا ترفضان تمثيلا مفتوحا وشفافا، فإنه لا يكاد يبدو واضحا أن الصين سوف تتحرك نحو مزيد من الحرية السياسية. عندما يخبر القادة الصينيون مواطنيهم أن مغادرة بريطانيا من الاتحاد وترشيح ترامب يمثلان فشلا للديمقراطية بشكل فعلي، الكثير من المواطنين الصينيين يصدقونهم. وعلاوة على ذلك، فقد أثبتت الكثير من الأنظمة الاستبدادية الصينية في التاريخ استقرارها حتى في فترات النمو الاقتصادي البطيء نسبيا. يمكن أن يستغرق منها الأمر عدة قرون لتسقط ويتم استبدالها، وحتى ذلك الحين غزو أجنبي، مثل ذلك الذي قام به المغول أو المانشو، قد يكون مطلوبا. من وسائل الإعلام اليوم، يتلقى المرء أحيانا انطباعا بأنه عندما يكون معدل النمو الصيني أقل من 4 أو 6 في المائة قد يعني ذلك عدم استقرار جذري وسقوط سريع للحكومة، ولكن التاريخ الصيني لا يظهر هذا النمط. وهذا لا يكاد يعتبر دليلا لكيفية إدارة الأمور في المستقبل، ولكن يجب أن يحول توقعاتنا بخصوص اتجاه مزيد من الاستقرار السياسي الصيني. ومن اللافت للنظر عدد الأفكار السياسة الاقتصادية الصينية المعاصرة المتشابهة في أوقات سابقة. في استعراضه لهذا التاريخ، فون غلان يفسر أهمية الشركات المملوكة للدولة، واستخدام السياسة المالية للإبقاء على الأشخاص يعملون، واحتكارات السلع (الشاي في ذلك الحين، الآن السجائر) وتسجيل السكان عبر قرون عديدة. وأنا أنظر إلى هذه الاستمرارية باعتبارها دلائل على أن الصين اليوم تجسد ما كانت عليه البلاد لفترة طويلة، بدلا من العيش في دولة انتقالية قبل أن تتحول إلى شيء مختلف. ويوضح الكتاب أيضا كيفية اعتماد الصين على سلسلة سابقة من التحديث والإصلاحات الموجهة نحو السوق خلال ما يسمى انتقال تانغ سونج من 755-1127. الميزة اللافتة للأنظار في هذا الوقت الناجح نسبيا هو أنه استمر لما يقرب من 400 عام، على الرغم من الخسائر الإقليمية الدورية أمام الغزاة من الخارج. عدم الاستقرار الشديد للقرن التاسع عشر وجزء كبير من القرن العشرين في الصين هو ناشز تاريخي وليس القاعدة، وبذلك فقد تراجعت الصين اليوم إلى واحدة من حلقاتها المستقرة نسبيا. إذا كان هناك موضوع واحد مشترك يمر عبر قرون عديدة يغطيها هذا الكتاب، فهو السعي الذي لا يعتبر أبدا كامل النجاح للدولة الصينية للحصول على الإيرادات والاستقرار في المالية العامة. أحد الأسباب التي أدت إلى تأخر الصين وراء أوروبا الغربية في القرن الثامن عشر هو ببساطة أن الدولة الصينية تنفق أقل على استحداث السلع العامة القيمة والبنية التحتية. في عام 1993، بعد 15 عاما على بدء إجراء إصلاحات موجهة نحو السوق، بلغت ايرادات الحكومة المركزية الصينية المباشرة 3 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، مع التحذير المعتاد بألا تؤخذ الأرقام الصينية على اعتبار أنها مقاييس دقيقة. ولم تتجاوز حصة الإيرادات تلك 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلا في السنوات العشر الأخيرة فقط. على سبيل المقارنة، في الولاياتالمتحدة في الأوقات العادية يبلغ هذا الرقم في حدود 17 إلى 18 في المائة. ورغم جميع الصور التي قد تكون لدى الأمريكيين عن حكومة الصين باعتبارها العملاق الشيوعي، من الأفضل لأن يُنظَر إلى النظام السياسي في البلاد كما لو أنه لا يزال غير ناضج إلى حد ما. تعمل الشركات المملوكة للدولة والحكومات المحلية والسيطرة المباشرة للحزب الشيوعي على سد الفجوة لتعزيز قوة الحكام، وهذا يساعد في تفسير السبب في أن الصينيين يجدون صعوبة في تحديث اقتصادهم بالكامل. فقد كانت لدى حكومتهم تسهيلات قليلة جدا في الاستيلاء على تدفقات الإيرادات، وبالتالي قد أصبحت أكثر تخصصا في اتخاذ وامتلاك والسيطرة على الأصول. وبالنظر إلى ذلك الخيار، الحكومة المركزية غير راغبة في الإصلاح، أو التوقف أو تفريغ المؤسسات المملوكة للدولة، على الأقل بسبب الخوف من أن ينتج عن ذلك الكثير من الإفلاس والبطالة، ناهيك عن فقدان أوسع لنطاق السيطرة. وعلاوة على ذلك، فإن الحكومات الصينية المحلية في كثير من الأحيان لا تحصل على ما يكفي من الإيرادات، وبالتالي فهي تعتمد بشكل كبير جدا على المبيعات أو الدخل من تأجير الأرض للاستمرار وعدم التوقف، و نموذج الإيرادات هذا لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. من وجهة نظري، المستقبل الاقتصادي للصين المرجح على المدى القريب هو وجود نظام سياسي مستقر نسبيا الذي تبقي خططه الاصطناعية لزيادة الإيرادات والبقاء في السلطة على الاقتصاد مشوها. وإن قرار الصين الأخير نحو ضريبة القيمة المضافة ذات التطبيق الأوسع كان خبرا مهما لم ينتبه له كثير من المراقبين، وكان خبرا إيجابيا، رغم أن الصين لم تصل بعد إلى مرحلة النضج في المالية العامة.