هل يمكن القول إن الصحافة الورقية قد انتهت، أو ماتت؟ هذه قضية جدلية، تناولها الكثير من الأصوات من داخل المؤسسات المهنية في الصحافة، أو في وسائل الإعلام الأخرى، كما تناولها بعض المستثمرين في ميدان الإعلام، إلى جانب عدد من الدراسات من الحقل الأكاديمي، وقد يرى البعض أنه لا يتخيل يوما ما في المستقبل أن لا تكون هناك صحيفة على طاولة الإفطار الصباحي، لأنها أصبحت عادة تستوجب بقاء الصحف وعدم تلاشيها، وقد نشرت مجلة الإيكونومست البريطانية تقريرا عن الصحافة تحت عنوان «من قتل الصحافة؟»، ووصلت المجلة إلى نتيجة مؤداها أن وضع الصحافة هو مصدر قلق، وليس مصدر رعب كما يظن البعض. وقد أشار التقرير إلى أن العقود الماضية قد شهدت انخفاضا في توزيع الصحف في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأوروبا، واستراليا، ونيوزيلاندا، وقد أسهم الإنترنت في تسريع معدلات الانخفاض في السنوات الماضية، واستشهدت المجلة بكتاب «نهاية الصحيفة» لفيلب ميير، والذي تنبأ أن عام 2043م (أي أقل من ثلاثين عاما) سيشهد آخر صحيفة ورقية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، عندما يقذف بها أحد القراء جانبا بعد أن تكون قد أنهكته قراءة هذه الصحيفة. عزيزي القارئ تعرضت الصحافة خلال العقود الماضية إلى ضغوطات كبيرة من داخل المؤسسات الصحافية ومن خارجها، وتحديدا تواجه الصحافة منذ السنوات الأخيرة من نهاية القرن العشرين تحديات صعبة من المنافسة مع الوسائل الجماهيرية الأخرى، وخاصة ظهور وانتشار الإنترنت في العالم. كما تواجه الصحافة التقليدية تحديات من المدارس الحديثة في الصحافة، أثرت على مضمون وشكل الصحافة التقليدية، مما استدعى إعادة هيكلة وبناء وتفكير النمط التقليدي للصحافة التي تآلف معها القراء على مر العقود السابقة، وفي التقرير السنوي عن الصحافة الأمريكية لعام 2004م، في إطار مشروع التميز في الصحافة (الإعلام) الذي أعده معهد تابع لجامعة كولومبيا بنيويورك، ومولته مؤسسة بيوPEW، تم تحديد ثمانية مجالات تحول في الإعلام الأمريكي بشكل عام والصحافة بشكل خاص: من الملاحظ تنامي المنافذ الإعلامية الإخبارية بشكل كبير خلال السنوات الماضية، يقابله ثبات أو انكماش في حجم الجمهور الإعلامي المفترض ان يتابع هذه القنوات الإعلامية، ويترتب على هذا الوضع تنامي الفقد من جمهور هذه الوسائل الإعلامية الإخبارية، وهذا يؤدي بالضرورة الى تقلص الإيرادات المادية من الإعلانات لهذه القنوات. ويمكن من هذه الظاهرة استثناء حالات معينة تنامى فيها جمهور وسائل الإعلام، وهي وسائل الإعلام الإلكترونية، ووسائل الإعلام ذات التوجهات العرقية، ووسائل الإعلام غير التقليدية، كما ان معظم الاستثمارات الإعلامية تقع في الجانب التوزيعي والترويجي، وليس في الجانب المهني المعني بجمع المعلومات وتقارير الأخبار والأحداث، مما ترتب على ذلك تقليص الاهتمام بغرف الأخبار والنشاطات الميدانية للإعلام، حيث تقلصت أعداد الصحافيين وانخفضت المخصصات المادية الموجهة لمثل هذا الغرض، ولا شك أن النتيجة المهمة التي أفرزتها هذه الأوضاع هي انخفاض مستوى النوعية الجيدة والمهنية المطلوبة في أداء الإعلام. أشارت أرقام التوزيع خلال العقد الأخير من القرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين إلى أن كثيرا من الصحف في العالم قد انخفضت ارقام توزيعها، وأشارت دراسات الى انخفاض توزيع الصحف في اوروبا بنسبة 12% خلال الفترة من 1995م الى 2004م، وكان الانخفاض في الولاياتالمتحدة وكندا يتراوح بين 6-7%، أما في الأسواق الآسيوية فلم تشهد أي انخفاض، ولكن بعض الدراسات اشارت الى تنامي توزيع الصحف في تلك المناطق. شخصيا أفضل اصدار نسختين من المطبوعات خاصة تلك التي تتسم بسمة اعلامية صحافية، فإني أقرأ سريعا المنشور في النسخة الالكترونية، ولكني اطيل النظر والتمحيص في كل تفاصيل المطبوعة، لا ادعي اني تقليدية، ولا اتكهن بأني حداثية في موديلات الصحافة الحديثة، لكني أزاوج بين هذه وتلك لأهميتهما الشخصية لي شخصيا، وإني أجد استمرارهما معا شيئا مجديا حقا، على الاقل للسنوات الخمس القادمة، فلربما تغير شيء في الوسيط الورقي والإلكتروني للصحافة إلى شيء أكثر مناسبة وأكثر تقبلا وإلحاحا!