استخدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية قبل ستين عامًا جزر مارشال في المحيط الهادي والأرخبيل المجاور لها حقل تجارب لاختبار أسلحتها النووية، وأسقطت عليها 67 قنبلة نووية في الفترة من 1946 حتى عام 1958، واليوم بعد ستين عامًا من إسقاط أمريكا تلك القنابل على موطنهم، لم يعُد بإمكان سكان الجزر المنتشرة في المحيط الهادي والبالغ عددهم 52000 نسمة، العودة الى مساكنهم منذ أن تم ترحيلهم خارج المنطقة لإجراء التجارب بسبب ارتفاع معدلات الاشعاع في بعض المناطق لأكثر مما يسمح بسكن الإنسان، وفقًا لدراسة حديثة أعدّتها جامعة كولمبيا، ونُشِرت في مجلة الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم. أشهر تلك الاختبارات النووية الأمريكية قنبلة برافوشوط Bravo shot التي أسقطت على أرخبيل بيكيني Bikini Atoll عام 1954، وكانت قوتها التدميرية تفوق القنبلة التي قصفت بها هيروشيما بأكثر من ألف ضعف. لقد اكتشف الباحثون أن مخلفات الإشعاع النووي في هذا الأرخبيل وفي جزر مارشال المجاورة تنفث 184 ملليجرامًا من الإشعاعات في السنة، وفي بعض المناطق بلغ معدل الإشعاع 639 ملليجرامًا. كما أكدوا على ضرورة إجراء مزيدٍ من الأبحاث على النباتات أو الأطعمة ومصادر المياه لتحديد ما إذا كانت صالحة لعودة مواطنيها. حاليًّا يعيش 29000 من سكان تلك الجزر نازحين في جزيرة ما جورو على شريط من اليابسة مساحته 30 ميلًا فقط، ولا يزيد عرضه على ألفي قدم مهدّدين بالغرق في أي لحظة ترتفع فيها مياه المحيط. في هذه المنطقة التي تعتبر أكثر بقاع العالم تلوثًا بالمخلفات النووية تنتشر 1200 جزيرة مساحتها لا تزيد على مساحة مدينة أمريكية. وفي عام 1946 خدعت الولاياتالمتحدة شعوب الأرخبيل وانطلى عليهم كذبها عندما جمعهم قائد أحد الأساطيل الأمريكية داخل كنيسة، وأوهمهم بأنهم شعب مختار، وأن سماحهم بإنتاج قنبلة ذرية متقنة سيجنّب الجنس البشري حروب المستقبل فصدّقوه. وخلال شهر من ذلك اللقاء أكملت سفن أمريكية نقلهم خارج المنطقة ليبدأ إجراء التجارب النووية، وقد علّق الكوميدي الأمريكي بوب هوب فيما بعد على تلك الجريمة بقوله: «لقد اخترنا موقعًا على الأرض لم يسبق له معرفة الحرب، ثم قمنا بتدميره». وفي عام 1954 اشتكى سكان جزر مارشال للأمم المتحدة التي وضعت بعد الحرب العالمية الثانية تلك الجزر وما جاورها تحت وصاية الولاياتالمتحدة فردّت واشنطن التي كانت قد تعهّدت بتمكينهم من تقرير مصيرهم على الشكوى بالقول: «إنها لن تسمح بتحريك حجر واحد، وستظل هناك للحفاظ على حاضر ومستقبل سكان الجزر، وتحقيق رفاهيتهم». هؤلاء السكان الذين تريد تحقيق رفاهيتم تم وصفهم في أحد اجتماعات لجنة الطاقة الذرية الامريكية بأنهم «أقرب شبهًا إلينا من الفئران» more like us than mice «وبما أنهم شعوب متخلّفة يصلحون لإجراء التجارب والدراسات». انتهت التجارب عام 1958 وثار بعدها جدل كثيف ومعارك قانونية وتم إجلاء السكان واعادة توطينهم في اكثر من موقع كلما تكشفت حدة تلوثهم وتلوث بيئتهم وأغذيتهم البحرية بالمخلفات النووية. وفي عام 1986 وافقت أمريكا على منح سكان أرخبيل جزر مارشال استقلالهم لكنها اجبرتهم على قبول تسوية نهائية بمبلغ 150 مليون دولار تشمل كل ما نتج من أضرار عن تلك التجارب التي اجريت بعيدًا عن نظر وبصر العالم، وأفقدت البشرية ثروات صخمة وكنوزًا لا تعوّض بثمن. وفي عام 2001 حكمت المحكمة المختصة بالنظر في الدعاوى النووية بمبلغ 2.3 بليون دولار تدفعها الولاياتالمتحدة لسكان الأرخبيل تعويضًا عن الأضرار الصحية، وتدمير الممتلكات، لكنها لم تحدّد آليات تجبرها على دفع هذا المبلغ خاصة أن الدفعيات التي كانت تتم وفق تسوية عام 1986 ستنتهي عام 2023م. جلين الكالاي بروفيسور علم الانثربولوجي في جامعة مونتكلير بولاية نيوجيرسي كان قد شارك في حملة السلام الأخضر لإخلاء سكان جزيرة روجيلاب عام 1985، وقال في شهادة له: «لقد قمنا بتدمير ثقافة كانت قائمة.. سرقنا مستقبلهم. وعندما تسلب المستقبل من شعب ما، فهذا يعني أنك دمّرته».