النشاطات الاقتصادية الربحية التي تعتمد على ترخيص استثنائي من الدولة، أصبحت مصدر استنزاف لموارد البلد مقابل خدمات تسوء يوماً بعد يوم وتتناسب عكسياً مع ما تحققه تلك الجهات من أرباح خيالية. حجم الاقتصاد الكبير للمملكة الذي جعلها تحتل مركزاً مرموقاً في مجموعة العشرين، لا يتناسب والقيود المفروضة عليه من قبل الوزارات والجهات الحكومية، التي ما زالت تقتات على أفكار أشخاص وضعوها قبل عشرات السنين. من ينظر إلى القطاع البنكي فلا بد له أن يستغرب من حجم أرباحه وضعف خدماته وانعدام المنافسة الحقيقية بين مؤسساته. لقد عملت مؤسسة النقد على حماية تلك البنوك لسنين طويلة من المنافسة العادلة، فلم تسمح خلال الخمس والعشرين سنة الماضية إلا بإضافة بنكين فقط لنادي البنوك العشرة، وكلنا يعرف ما حصل من تغيير اقتصادي وسكاني خلال ربع قرن مضى. عندما يكون عدد البنوك بهذا الحجم القليل في بلدٍ يعتبر من أكبر اقتصاديات دول العالم، فإن ذلك لا يمكن إلا وأن يجعل المنافسة بينها أقل والاحتكار أسهل والعائد على رؤسائها ومساهميها أضخم. لقد أوضح تقرير للبنك الدولي في عام 2014 عن عدد فروع البنوك لكل 100 ألف نسمة، أن عددها في المملكة هو 9.2 مقارنة ب 12 في الامارات و30 في لبنان و25 في المغرب، كما أوضح التقرير أن المعدل العالمي هو 13.5 ومعدل العالم العربي هو 11.2. هذا التقرير لم يتطرق لعدد البنوك بل ركز فقط على عدد الفروع، وإلا لكانت حصة المملكة أقل بكثير، فهي الان 12 بنكا لعدد سكان تجاوز 31 مليوناً، بينما نجد أن عدد البنوك في بولندا 668 والنمسا 677 وايرلندا 402 وهذه الدول ليست من مجموعة العشرين التي المملكة أحد أعضائها. التوسع في إعطاء التراخيص لفتح بنوك جديدة لا يعني إهمال جودة المراقبة والتقنين، بل على العكس من ذلك، فالدول التي لديها الأعداد الكبرى من البنوك تتمتع بأنظمة متطورة وآليات متقدمة في تقنين ومراقبة عمل البنوك وبنفس الوقت تمنح الخيارات للقطاع الخاص والأفراد للحصول على ما يحتاجونه من الخدمات بأفضل الأسعار وأجود الخدمات. كل هذا يتبع المكسب الأهم وهو توفير فرص العمل الجيد لأبناء وبنات الوطن. القطاعات الخدمية الأخرى ليست أفضل حالا من القطاع البنكي، فقطاع الاتصالات لهذه الدولة المترامية الأطراف التي تزيد مساحتها عن مساحة ثلثي أوروبا وعدد سكانها يفوق عدد بقية دول الخليج والأردن وسوريا ولبنان مجتمعة، لم يُصرح بها إلا لثلاث شركات فقط، أحدها تربح 20 مليارا في السنة وأخرى خاسرة والثالثة لا يعرف إن كانت رابحة أم خاسرة. هذا السماح بهذا الاحتكار الكبير لسوق اتصالات يُعتبر الأكبر في المنطقة، لا يوجد له ما يبرره، كما أنه لا يبرر ما يصرف على هيئة الاتصالات التي لا تشرف إلا على 3 شركات. اضف إلى ذلك الاحتكارات الكبرى لخدمات المرافق، فشركة واحدة للكهرباء، وشركة واحدة للمياه وقريباً شركة واحدة للحبوب وشركة واحدة لتحلية المياه. لقد ان الاوان أن تتعامل الجهات الحكومية مع الاقتصاد الوطني بنفس الاحترام الذي يعامل به عالمياً، وتفتح الباب على مصراعيه للمنافسة العادلة وترفع من قدراتها على التشريع والتنظيم والمراقبة والمحاسبة، وتبدأ بوضع مصلحة المواطن قبل مصلحة مقدم الخدمة. إن التخصيص إذا افتقد عنصر المنافسة فلن يكون إلا عبئاً على الوطن، وحجر عثرة أمام تقدمه وازدهاره.