تُشكر وزارة التجارة على كسرها احتكار شركات الأسمنت لسوقنا، بتصريحها لسبعة وعشرين مصنع أسمنت جديداً في كافة أنحاء المملكة. وهذه الخطوة - وإن كانت متأخرة كثيراً - تدعونا للتفاؤل - فيمن يصل متأخراً خيرٌ من الذي لا يصل -. إنها خطوة تدعونا للتفاؤل بكسر احتكار البنوك أيضاً، وهو أشد من احتكار الأسمنت، وذلك بالسماح بإنشاء بنوك وطنية جديدة، برؤوس أموال كبيرة جداً، نصيب المؤسسين فيها قليل، ونصيب المكتتبين كبير جداً. إننا نقدم هذا الاقتراح لوزارات (التجارة) و(المالية) و(الاقتصاد) ولمؤسسة النقد العربي السعودي، آملين أن يتم التفكير فيه بجدية وإمعان، وأنا واثق - بحول الله - أنه سوف يجد طريقه للتنفيذ، وسوف يتم التصريح لبنوك وطنية جديدة، وسوف نستبق عصر العولمة ومضاعفات انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية، حيث تشترط هذه المنظمة أن تُرفع حصة الشريك الأجنبي في المصاريف القادمة إلى 60٪ أي أن (القرار) سوف يكون في يد الأجنبي.. وأي قرار؟ قرار البنوك. وهو أمر خطير جداً. حيث إن من يتحكم في قرار البنوك يتحكم في اقتصاد البلد إلى حَدّ بعيد. ومن المعطيات الأساسية التي نأمل من أصحاب القرار الاقتصادي لدينا التمعن فيها لإدراك ضرورة الترخيص لبنوك جديدة.. من هذه المعطيات: 1 - أن عدد بنوكنا القائمة الآن أحد عشر بنكاً فقط وهي: الأهلي. الرياض، الجزيرة، الاستثمار.. (وهو ليس بنك استثمار بالمعنى الحقيقي)، السعودي الهولندي، السعودي الفرنسي، العربي الوطني، سامبا، الراجحي، وأخيراً (البلاد).. والذي لم يضف بنكاً جديداً في الواقع بل ابتلع عدة بنوك كانت قائمة واندمجت فيه. أحد عشر بنكاً فقط لأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط!! 2 - أن رؤوس أموال بنوكنا هذه - مجتمعة - لا تُعادل رأس مال بنك عالمي واحد!! 3 - وأن هذه هي بنوكنا حين كانت ميزانية الدولة لا تزيد على ستة مليارات.. وظلت على حالها والميزانية الآن تقارب ثلاث مئة مليار!!.. وأمامي تقرير مصرفي صادر من البنك الأهلي التجاري يقدر إيرادات المملكة لهذا العام (2005) بمبلغ مئة وسبعة وثلاثين مليار دولار (447 مليار ريال!!) هذه إيرادات النفط فقط بعد ارتفاعه القوي - ومع التحفظ - يضاف إليها ما يقارب خمسين مليار ريال إيرادات أخرى! أي أننا أمام اقتصاد كبير.. ضخم جداً.. وبنوك قليلة ضئيلة تُعد على أصابع اليدين!! وتحتكر عباد الله بدون أي مبرر!! 4 - بل إن بنوكنا تناقصت مع نمو اقتصادنا الهائل!!.. فقد كان لدينا بنك القاهرة السعودي.. والبنك المتحد.. وعدة مصارف.. وكلها ابتلعتها البنوك القائمة.. الاقتصاد ينمو بقوة.. والبنوك تقل وتظل تراوح مكانها!! 5 - ثم إن هذه البنوك العشرة فوق أنها تحتكر سوقنا.. فإن أسهمها أيضاً محتكرة.. فأسهم البنوك - وهي تسيل بأرباح ذهبية مستمرة ونامية لشدة الاحتكار - هذه الأسهم يملك تسعين في المئة منها عوائل محدودة جداً وأفراد قليلون جداً بحيث أن واحداً في العشرة آلاف من المواطنين يملك تسعين في المئة من بنوكنا!! بقية المواطنين خارج اللعبة المصرفية تماماً، وليسوا خارجها فقط، بل هم يعطونها ولا يأخذون منها، يودعون لديها آلاف المليارات دائع وجارية ولا يحظون منها بخدمات تُذكر!! حجم الودائع الجارية لدينا لا يمكن أن يوجد في بلد آخر على وجه الأرض.. حجم خرافي.. وعائده كله يصب في جيوب عدد محدود جداً ممن احتكروا أسهم البنوك المحدودة والمحتكرة للسوق بدورها.. احتكار مضاعف!! 5- وان بنوكنا كلنا - وليس بنك الاستثمار وحده وإنما علقنا عليه لمسماه - كلها ليست بنوك استثمار بالمعنى الحقيقي، ولا يوجد بينها بنك شامل واحد، بل هي «دكاكين» تستقبل الودائع وتتصيدها!!.. وتصدرها للربط خارج المملكة!!.. وتقدم ودائع المواطنين قروضاَ استهلاكية عالية الفائدة لمواطنين آخرين!!. والمودعون ليس لهم حظ!! ولا تقرض المشاريع والمؤسسات الصغيرة!!.. ولا تقدم قروضاً طويلة الأجل لمشاريع استثمارية أو مصانع.. إلا فيما ندر.. 6- إن هذه البنوك حين طرح جزء منها للاكتتاب لم يقبل عليه إلا قلة قليلة عدا بنك البلاد!! حين طرح البنك السعودي الفرنسي لم يكن هناك تخصيص أصلاً لقلة المكتتبين!! من اكتتب بعشرة ملايين أعطي إياها كاملة!! وفوق هذا اشترى ملاك البنوك معظم ما ينزل من أسهم البنوك في السوق!! إننا نأمل في توسيع قاعدة ملكية البنوك بشكل يوازي ما يقدمه المواطنون لهذه البنوك من الدعم السخي المطلق!! بل عشرة في المئة منه! نريد طرح مصارف كبرى تتفق مع الشرع المطهر للاكتتاب العام لكي تتوسع قاعدة الملكية ويستفيد أكبر عدد من المواطنين وتتحسن الخدمات البنكية ويكسر احتكار المصارف القائمة، ونسبق شروط الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، ونستفيد منها بدل أن نقع ضحاياها، وتغزو مصارفنا بلدانهم بدل أن نكون عرضة للغزو الاقتصادي عبر مدافع البنوك العالمية، وهي أشد فتكاً من المدافع. 7- ان خدمات بنوكنا القليلة الموجودة الآن.. تسوء عاماً بعد عام - مع تكاثر الناس واحتكارها السوق.. ادخل أي بنك وستجد الطوابير هنا وهناك.. حتى الذي جاء يودع البنك عليه أن ينتظر وأن يصف في طابور طويل!! والله إن هذا لشيء عجاب! أما خدمات الوساطة في الأسهم فحدث ولا حرج!!.. ضغط ما بعده ضغط.. وخدمات سيئة جداً نسبة للعمولة التي تجنيها هذه البنوك من المتداولين.. وتضييع فرص ذهبية على المتداولين بالبطء في الرد والبطء في التنفيذ وتعطل الأنظمة وتأخرها والذي أصبح كاللازمة!! كل هذا بسبب قلة البنوك واحتكارها.. وهو - وحده - سبب كاف للتصريح لعدد كاف من البنوك بحيث تفرج الأزمة وتزول الغمة وتتحسن الخدمات وتحس بنوكنا أنه يوجد في البلد غير هذا الولد. أما الآن فهي - مع احتكارها الرهيب لنا - ينطبق عليها المثل المصري الذي يقول: «حَسَنَة وأنا سيدك»!! وينطبق عليها قول هارون الرشيد حين رأى سحابة مثقلة بالخير: «امطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك».. فليمسك المواطن دوره الطويل ليقدم لها الخراج «الودائع» وليمسك دوره الطويل ليقدم لها عمولة البيع والشراء في الأسهم فماله عنها بديل!! 8- ان الدول الصغيرة التي بجوارنا تتملئ بالمعارف والمنافسة الحرة بين البنوك.. وهي دخلها اقل من عشر دخل المملكة.. وسكانها كذلك.. فلماذا لا يفتح الباب للمنافسة الشريفة بين البنوك لدينا بالتصريح لعدد جيد من المصارف الوطنية الجديدة التي (تعدل الحال المائل لبنوكنا) وتخدم المستثمرين على المدى القصير والطويل، وتقدم الاستشارات المجانية الموثقة، وتخلق روح التنافس الشريف في القطاع المصرفي بدل الاحتكار البغيض؟؟! ان مما يعجب له ويدهش هو عدم التصريح لمصارف جديدة رغم النمو الكبير في الاقتصاد وفي السكان، ولهذا لا عجب ان تحتكرنا المصارف القائمة، وتجعل المواطنين في طوابير بعضها احياناً في الشمس خارج مبنى البنك: تسألين عن سقمي صحتي هي العجب!! ٭ ٭ ٭ لقد لت شركات الاسمنت المحدودة تحتكرنا نصف قرن!! ولا تزال في الواقع!!.. ورغم انها بالعدد ثمان شركات فإنها بالفعل شركة واحدة، فهي تتفق فيما بينها على السعر!!.. وحين كان الاسمنت عالمياً بخمسة ريالات كانت تصر على ان تبيعه للمواطن بأحد عشر ريالاً وتصدر الفائض للخارج وتبيعه بخمسة ريالات وعليها اجرة التحميل!!. وقد كتبنا عن هذا مراراً في وقته وطالبنا بكسر هذا الاحتكار الواضح (عيني عينك) ولكن وزارة التجارة لم تفعل الا متأخرة جداً.. وبعد ان وصل سعر الكيس الى 24 ريالاً!!. وحسناً انها فعلت ولو تأخرت!! ولعل صناع القرار الاقتصادي يفعلون هذا مع المصارف.. فيكسرون احتكارها كما يجب.. وهم ان فعلوا متأخرون ايضاً - ولكن ان تصل متأخراً خيراً من الا تصل ابداً. ٭ ٭ ٭ ان الاقتصاد الحر - وهو ما ينتهج لدينا - يقوم على المنافسة الشريفة وتشجيع القطاع الخاص على الابداع والانطلاق، وهذا موجود لدينا الا في قطاعي المصارف والاسمنت.. والأخير فتح بابه العتيق.. اما الاول - قطاع المصارف - فلا يزال مغلقاً بالمتاريس.. هذا ان كان له باب اصلاً!!. ٭ ٭ ٭ ان التعلل بمبدأ مراقبة البنوك لاغلاق باب التصاريح غير مقبول.. فلتضع مؤسسة النقد شروطاً صارمة لافتتاح اي بنك جديدة.. ولتقو جهاز الرقابة لديها.. ولتفتح باب التنافس الشريف وتتيح فرص الاكتتاب لملايين المواطنين. اما قفل الباب فلم يعد له معنى في عصر العولمة.