واحدة من أكبر التحديات الاقتصادية التي تواجهها الولاياتالمتحدة هي الانخفاض في الإنتاجية. بعد ارتفاعها وبشكل مطرد على مدى عقود عديدة، تباطأت الإنتاجية بشكل عجيب منذ عام 2011. تعتبر الإنتاجية هي مفتاح الرخاء طويل الأجل. حيث إنها تمثل سقفا ثابتا على كمية الأشياء الثمينة التي يكون المجتمع قادرا على إنتاجها. إذا ثبتت الإنتاجية عند مستوى معين، فهذا يعني أن الكعكة لا تنمو، وستكون هنالك كمية أقل لتقسيمها فيما بيننا. لذلك فإن العثور على السبب الذي يحدث التباطؤ يعد مهمة كبيرة وهامة. يعتقد بعض خبراء الاقتصاد المتشائمين مثل روبرت جوردون أن التقدم التكنولوجي في حد ذاته آخذ في التباطؤ بكل بساطة -حيث إننا اكتشفنا معظم الاختراعات الرئيسية الهادفة إلى تحسين الحياة- وبالتالي لم يتبق الكثير لنفعله. دعونا نأمل ألا يكون الأمر كذلك. وفي الوقت نفسه، ربما يحْسن بنا أن نبحث أيضا عن سياسات لمعالجة هذه المشكلة، بدلا من الجلوس والانتظار حتى يحالف المخترعون الحظ. في العقود الماضية، ربما كنا سنلجأ للحلول التحررية. حيث إنه ربما كانت الإجابة الواضحة في الثمانينيات تتمثل في خفض الضرائب والتنظيم، إطلاق العنان لقوى القطاع الخاص من أجل الابتكار، والبناء والاستثمار. والبعض، أمثال جون كوكرين من معهد هوفر، لا يزال يعتقد بأن هذا هو السر. ولا شك ربما في أن كثيرا من سياسيي الحزب الجمهوري سوف يتفقون معه في ذلك. لكن الكثير من خبراء الاقتصاد كانوا متحمسين وبشكل بطيء لفكرة أن الحكومة، بدلا من أن تكون هي «المشكلة» (كما قال رونالد ريجان)، ربما تشكل في الواقع جزءا كبيرا من الحل. وهذا غالبا ما يظهر في الدعوات إلى زيادة الإنفاق على البنية الأساسية، أو إلى إيجاد التحفيز من المالية العامة لتخفيف أثر الركود الاقتصادي. لكن في الآونة الأخيرة، اقترح بعض خبراء الاقتصاد أن الحكومة تستطيع لعب دور حيوي في الابتكار والتقدم التكنولوجي ونمو الإنتاجية. أحد هؤلاء الأشخاص كانت ماريانا مازوكاتو من جامعة ساسيكس، والتي تقدم الفكرة التي مفادها أن البحوث التي تجريها الحكومة تقف خلف معظم ابتكاراتنا الرئيسية. لكن في الآونة الأخيرة، انضم إليها بعض الشخصيات التي لها وزنها: مثل دارُون عاصم أوغلو من معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا، وجيمز روبنسون من جامعة شيكاغو. يعرف أوغلو وروبنسون بنظريتهما التي مفادها أن الحكومة الجيدة تعد أمرا حاسما للتطور الاقتصادي. ويعتقدان أن المؤسسات القوية، مثل حقوق الملكية وسيادة القانون، هي بمثابة أمور هامة للسماح للبلدان بإطلاق العنان لقدراتها الإنتاجية. لكن في الآونة الأخيرة، توصل هؤلاء الخبراء إلى فرضية أكثر جرأة حتى من ذلك. حيث يقولون إن الحكومة ربما تكون أمرا هاما بالنسبة للتقدم التكنولوجي في حد ذاته. وهم يطلقون على فكرتهم الجديدة «القدرة الاستيعابية للدولة». وهي تشتمل على الفكرة القديمة للمؤسسات الجيدة، وتضيف عوامل أخرى يعتقد أوغلو وروبنسون بأنها عوامل لا غنى عنها -مثل التعليم القوي، والإنفاق على البحوث، او البنية الأساسية، وعدم التمييز. في الأساس، تنص الفكرة على أن الحكومات تقوم بالكثير من الأمور من أجل تشجيع المخترعين والعلماء والمبتكرين في مجال تنظيم المشاريع، وأن هذه الأمور تتراكم وتزداد. كما يقولون إن الدولة القوية والفاعلة ليست لعنة على الابتكار- بل إنها أحد المدخلات الضرورية والحاسمة. من الواضح أن اختبار فكرة كبيرة وغامضة إلى هذا الحد يعد مهمة صعبة، لكن كالمعتاد، يجد أوغلو وروبنسون طريقة للوصول للإجابة عن السؤال. في ورقة بحثية نشرت مؤخرا وشارك في تأليفها جيكوب موسكونا، نظر المؤلفون في قطعة واحدة مهمة من الناحية التاريخية من البنية الأساسية للحكومة -النظام البريدي في الولاياتالمتحدة في القرن التاسع عشر. يعد مكتب البريد مرشحا واضحا للمؤسسة الحكومية التي تعزز الابتكار والإنتاجية. بل إنه شيء تقدمه الحكومات دائما تقريبا ومنذ فترة طويلة قبل ظهور القطاع الخاص- لم يكن هنالك أي مكاتب لشركات مثل يو بي إس أو فيدرال إكسبريس في ذلك الوقت. وتوزيع البريد يسهل الاتصالات وعملية انتشار الأفكار، التي تعد حاسمة بالنسبة للابتكار. بالنظر إلى المقاطعات، يقارن أوغلو والآخرون وجود مكتب بريدي مع عدد براءات الاختراع للشخص الواحد والممنوحة للمخترعين في تلك المقاطعات. ويجدون أنه على المدى الطويل، يرتبط وجود مكتب بريدي مع حصول زيادة كبيرة في نشاط منح براءات الاختراع. وهذه نتيجة مثيرة جدا، لكن التاريخ الاقتصادي يكون خاضعا دائما لبعض المحاذير الكبيرة. حيث يحاول الكتاب استبعاد احتمالية أن مكاتب البريد كانت مخصصة لأقاليم كانت تعلم الحكومة بأنها ربما تصبح في النهاية أكثر ابتكارا، من خلال النظر إلى اتجاهات براءات الاختراع قبل إنشاء مكاتب البريد. ولا تزال النتائج التي توصلوا إليها قائمة. لكن من الممكن أن المزايا المحلية الأكثر عمقا والمتعلقة بالجغرافيا أو السكان كانت مسؤولة جزئيا عن كل من إنشاء مكاتب البريد وتسجيل براءات الاختراع. مع ذلك، نظرا لأن إنشاء مكاتب البريد كان ربما أمرا عشوائيا إلى حد ما، تكون النتيجة مدهشة. يخلص المؤلفون إلى أن: «حين نأخذ كل الأمور بعين الاعتبار -في الوقت الذي لم نبرهن فيه بشكل لا لبس فيه على أن مكتب البريد وقدرة الدولة الكبيرة هما السبب في حدوث زيادة في تسجيل براءات الاختراع- تشير النتائج لدينا إلى أن قدرة البنى الأساسية للولايات المتحدة لعبت دورا هاما في الحفاظ على الابتكار والتغير التكنولوجي الخاص بالقرن التاسع عشر. في المناخ الاقتصادي (المتشائم) الحالي، نقدم سردا تاريخيا أكثر تفاؤلا تمتلك فيه السياسات الحكومية والتصميم المؤسسي القوة والقدرة لدعم التقدم التكنولوجي. بعبارة أخرى، ربما ما تحتاج الولاياتالمتحدة إلى فعله من أجل استعادة نمو الإنتاجية الذي فقدته هو التوقف عن التفكير في كيفية تعطيل الحكومة للأمور والبدء في التفكير في كيف يمكن لها أن تجد حلا للمشكلة. وسواء كان هذا يعني بنية تحتية أفضل، أو الإصلاحات في مجال التعليم، أو المزيد من التمويل للبحوث، أو الاستثمار المباشر للحكومة في المشاريع، أو غير ذلك من السياسات، من الجدير أن تكون للحكومة فرصة للمساهمة في حل معضلة الإنتاجية.