براءة الاختراع تعتبر أحد العناصر المهمة للاستثمار الناتج من تعزيز التعليم ورفع كفاءة مؤسسات التعليم العالي. فهي تقوم بربط القدرة أو الكفاءة الأكاديمية للجامعة بإنشاء الثروة. لذلك نحن في حاجة ماسة إلى مكاتب نقل التكنولوجيا في كل جامعة في السعودية، لمساعدة العلماء في استغلال ابتكاراتهم من أجل المصلحة العامة. حالياً، المستثمرون يخسرون لأنهم لا يستطيعون أن يحموا الفكرة، ويخسر رجال الأعمال لأنهم لا يستطيعون أن يحموا استثماراتهم، كما يخسر المستثمرون لأنهم لا يستطيعون أن يجدوا دائماً التكنولوجيا التي تتناسب مع احتياجاتهم، ونتيجة لذلك، فإن الاقتصاد بدوره يخسر، لأن الاكتشافات العظيمة والابتكارات التي يتم رصدها بواسطة مكاتب نقل التكنولوجيا تستطيع تحويل ثروة الأمة. تحتوي براءات الاختراع على فوائد مميزة: (أ) تعزيز الاقتصاد. (ب) امتلاك الأشخاص لابتكاراتهم. (ت) السماح للأشخاص والشركات والجامعات والمؤسسات بجني الأموال من بيع أو ترخيص الأفكار. (ث) تحفيز المخترعين والمستثمرين والعلماء ورجال الأعمال والشباب على جلب فائدة عامة للجميع. (ج) جلب الكثير من الاستثمارات الأجنبية الإضافية والإيرادات من الخارج. (ح) الحماية من فقدان الأفكار التي لم يتم تسجيلها على الورق. (خ) توفير أساس فكري لمجموعة جديدة من الأفكار. (د) تعزيز المعرفة الجيدة حول إنشاء المنتجات ذات الجودة العالية. (ذ) الحصول على الأعمال الإبداعية. (ر) إتاحة المعرفة المجانية لجميع الأشخاص. (ز) يعمل نظام براءات الاختراع على تعزيز المنافسة التكنولوجية والتجارية لأن مالكي براءات الاختراع يعلنون عن اختراعاتهم في مقابل الاستغلال الحصري لأفكارهم. ونتيجة لذلك، يحصل التنافس على تحسين الاختراعات واستخدام التكنولوجيا من أجل إنشاء اختراعات جديدة. تم التعرف على هذه المميزات منذ حوالى أكثر من 500 عام: إذ ظهر أثر براءات الاختراعات بداية في شمال إيطاليا في صيغة قانون البندقية عام 1474 والذي صدر لحماية الاختراعات وحقوق الأفراد. ومع ازدهار التصنيع في القرن التاسع عشر والاستثمارات التجارية واستثمارات السكك الحديد والمفاهيم الحديثة للحكومة، ظهرت براءات الاختراع الحديثة أو الملكية الفكرية كما نسمّيها نحن. وفي الآونة الأخيرة منذ التسعينات، فإن صانعي السياسة في الولاياتالمتحدة وأوروبا واليابان استخدموا براءات الاختراع لتعزيز البحث والتطوير والتنمية وخلق الكثير من المنتجات المميزة الحديثة، فكان النمو مذهلاً واستمر في اتجاهه نحو التنمية الاقتصادية. ويمكن تطبيق الفوائد على أي دولة: قامت البرازيل حديثاً بوضع قانون ملكية فكرية جديد في عام 1995 للحصول على بعض هذه الفوائد، وكانت النتيجة عوائد اقتصادية ضخمة. فعلى سبيل المثال ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر من 4.4 بليون دولار عام 1995 إلى 32.8 بليون دولار عام 1996، وحدث ذلك نتيجة أن صانعي السياسة في القوى الاقتصادية الناشئة أدركوا خلال التسعينات الدور المهم لنظام الملكية الخاصة في تشجيع الاستثمار الخاص في التنمية والبحث في المجالات العلمية والصناعية. وقد خلص الكثير من الدراسات الى أن نظام الملكية الفكرية الجيد يعتبر عنصراً أساسياً في تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر. ويمكن القول ان الشرق الأوسط، مثل البرازيل، لديه قدرة كبيرة على صعود سلم الاقتصاد العالمي حالياً. وتصل الفوائد أيضاً إلى أي صناعة – انظر إلى الدراسات التاريخية الآتية: في عام 1896، حصل ساكاشي تويوتا على براءة اختراع لنسخة من المنوال الآلي الشبيه بالآلة المستخدمة في شكل سابق في أوروبا. وبعد ثلاثة عشر عاماً، نجح ساكاشي في الحصول على براءات الاختراع الإضافية من أجل تكملة الاختراع وصقله. في عام 1924، وصل النوع (ج) من المنوال الآلي إلى السوق وعقد كيشرو تويوتا وابن ساكاشي اتفاقية مهمة مع شركة الأخوين بلات من أجل التسويق. وقد دفع الأخوان بلات لتويوتا 100.000 (والذي يساوي حالياً 25 مليون دولار أميركي) من أجل الحصول على الحق الحصري لتصنيع وبيع المنوال الآلي في أي دولة غير اليابان والصين والولاياتالمتحدة الأميركية. وقررت تويوتا أن تستخدم ال 100.000 كرأس مال أولي من أجل تأسيس شركة صناعة السيارات والتمويل الضروري للأبحاث والتنمية. «أزيثرومين» أحد أفضل المضادات الحيوية بيعاً في العالم والذي أنتجته شركة «كرواتيا بليفا» وهي أكثر الشركات ربحاً في كرواتيا وواحدة من أكبر شركات الأدوية في وسط أوروبا وتعتبر أيضاً أولى الشركات المتعددة الجنسية التي نشأت في وسط أوروبا. وعند شق هذه الشركة طريقها من أجل البقاء، شهدت تحولاً كبيراً في ثروتها بعد اكتشافها المضاد الحيوي «أزيثرومين» الذي يعتبر أفضل المضادات الحيوية بيعاً في العالم. بعد الحصول على براءة الاختراع لشركة بليفا عام 1980، تم ترخيص الدواء بعد ذلك لشركة «بفزير» والتي عملت على تسويقه تحت مسمى «ثيروماكس تي ام». بلغت مبيعات «ثيروماكس تي ام» 1.5 بليون دولار أميركي عام 2001. الإيرادات الاستثنائية التي نتجت من اتفاقية الترخيص عملت على تسهيل التوسع السريع لشركة «بيلفا» في كرواتيا وبولندا وروسيا. كل ذلك جاء نتيجة اتباع علماء «بفزير» براءة اختراع شركة «بليفا» عام 1981 من خلال البحث في وثائق مكتب براءة الاختراع والعلامات التجارية في الولاياتالمتحدة. أسس الدكتور كي أنجي شركة أدوية في الهند توسعت في شكل سريع وقدمت منتجات دوائية عالية الجودة وبأسعار منخفضة إلى أسواق العالم. أما مؤسسة أبحاث الدكتور ريدي التي تأسست عام 1993 لاكتشاف أدوية جديدة، فقد نسبت معظم نجاحها إلى حفاظها على براءة الاختراع والتي من خلالها كانت قادرة على تسويق وترخيص الأدوية الجديدة عالمياً. قامت المؤسسة بتعديل تطبيقات براءة الاختراع في الكثير من الدول والتي تشمل 31 من تطبيقات براءة اختراع المنتجات في الولاياتالمتحدة والتي تم منح 17 منها بالفعل. وبالنسبة الى الهند، هناك 110 تطبيقات براءة اختراع منتجات تم تعديلها. وحيث إن حماية براءة الاختراع تعتبر أمراً مهماً بالنسبة الى نشاط مؤسسة الدكتور ريدي للأبحاث، فقد قامت بتأسيس مجموعة إدارة الملكية الفكرية الداخلية لمراقبة تعديلات براءة الاختراعات العالمية التي تتعلق بإستراتيجية براءة الاختراع. وهناك بيوبراس، مركز البحث الجامعي والمشروع المشترك في مجال التكنولوجيا الحيوية في البرازيل، فهو كان عبارة عن معمل مستقل صغير داخل الجامعة الفيدرالية في ميناس جيراس في البرازيل حينما بدأ بإنتاج الأنزيمات بموجب اتفاقية الترخيص مع مركز إنتاج الأنزيمات نيو انغلاند في الولاياتالمتحدة. في عام 1977، بمساعدة وزارة الصحة البرازيلية، قام مركز بيوبراس بالتفاوض على اتفاقية مشروع مشترك مع مالكي براءة الاختراع وشركة إيلي ليلي للأدوية المتعددة الجنسية، من أجل انتاج انسولين حيواني وتسويقه في البرازيل. وكجزء من اتفاقية التعاون، يتم تدريب موظفي مركز بيوبراس بواسطة شركة إيلي ليلي. ومع انتهاء الاتفاقية مع شركة إيلي ليلي، وبعد ست سنوات، أصبح مركز بيوبراس إحدى أهم الشركات المصنّعة للإنسولين باستخدام التكنولوجيا. ومنذ ذلك الحين، توسع بيوبراس أيضاً في مجال البحث، مما أدى إلى تقدم هائل في هذا المجال. وتعتبر الشركة الآن واحدة من الشركات الأربع الوحيدة والشركة الوحيدة المتعددة الجنسية التي لديها القدرة والتكنولوجيا لإنتاج الإنسولين البشري المعاد اتحاده. تم تطوير هذه التكنولوجيا بواسطة شركة بيوبراس بالتعاون مع جامعة برازيليا، وتم الحصول بعد ذلك على براءة الاختراع في البرازيل وكندا وأوروبا والولاياتالمتحدة. لماذا عندنا؟ هناك الكثير من الأمثلة الأخرى .لا شك أبداً في انها ستصبح معززاً للاقتصاد في الشرق الأوسط أيضاً. ولكن، لماذا يجب علينا أن نقوم بهذه التغييرات في الشرق الأوسط في الوقت الحالي؟ في خطاب الملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 2011 تجاوز لفكرة التفوق التكنولوجي وتشديد على التغيير الكمي في الفكر والثقافة بالنسبة الى الاقتصاد المبني على المعرفة: هذا ليس مجرد تأكيد لاستخدام الحواسب الآلية وتكنولوجيا المعلومات وإنما أيضاً التركيز الشديد على أعلى مستويات التحصيل البشري، في صورة خلق المعرفة نفسها في شكل وثائق وبراءات اختراعات، تعمل على إنشاء جيل جديد من الجامعات ومكاتب نقل التكنولوجيا، يعمل بدوره على تعزيز نهضة الأمة. في هذا العالم الجديد ندرك أننا لا نستطيع العيش فقط على السلع، ولكننا في حاجة إلى التنويع. التوجه نحو الاقتصاد المبني على المعرفة يجعلنا قادرين على الاستمرار والاستدامة لقرون بل لآلاف السنين كمصدر دائم للأفكار من أجل النهوض بإنسانيتنا وشبابنا... وهكذا. لا نستطيع أن نجزم بأن التغييرات ستحدث بين ليلة وضحاها، ولكن من خلال خطوات التغيير تجاه الاقتصاد المبني على المعرفة الذي يعمل على تشجيع براءات الاختراعات. يحتاج المخترعون والمستثمرون وصانعو السياسة أن يتم إعدادهم وتجهيزهم من أجل التناسب والتكيف مع هذه التغيرات: فعلى سبيل المثال، سيكون هناك اعتماد أكبر على الأصول غير الملموسة مثل «القيمة المستترة» المبنية على المعرفة والتي تكون عادة غائبة من الموازنة العمومية للعمل التجاري. «القيمة المستترة» في زيادة، حيث كانت تصل إلى 38 في المئة عام 1982 وارتفعت إلى 70 في المئة عام 2000. وحالياً، تعتبر براءات الاختراعات الأصول التجارية الأكثر قيمة، فعلى سبيل المثال قامت شركة برايس وتر هوس كوبرز عام 1999 بإنشاء ترخيص عالمي للملكية الفكرية نتج منه ربح يقدر بأكثر من 100 بليون دولار. ويهتم هذه الاتجاه أيضاً بتكليف إستراتيجية الملكية الفكرية الوطنية والتي يتم دمجها مع السياسة التعليمية والاقتصادية والثقافية والعلمية والتجارية ومع حوافز وجوائز ومكافآت للمخترعين والمنظمات التي تستخدم براءات الاختراعات. وهذا سيعمل على تعزيز الاستثمار الأجنبي ويعود بالفائدة على التعاملات التجارية الخاصة بنا. كيف نكون واثقين من عمل براءات الاختراعات؟ وهنا نذكر اهتمام اليابانيين بهذا الموضوع، حيث إنهم أجروا عام 2007 دراسة عن الارتباط بين النمو الاقتصادي وبراءات الاختراع، وكان ذلك عبارة عن استقصاء من أجل إيجاد الحقائق وتحليل للمنطقة الآسيوية التي تشمل اليابان والصين والهند وكوريا وماليزيا وفيتنام. فهل كانت العلاقة ملحوظة ويمكن إثباتها؟ كانت الإجابة بالقطع هي نعم. هناك ارتباط وثيق لبراءات الاختراع وسياستها بالاقتصاد. وفي شكل فكري، فإن ذلك كله ذو أهمية كبيرة: حيث إن أثر براءات الاختراع وقوتها يظهران في كلمات الاقتصادي المشهور بول رومر والذي قال: «المعرفة الوفيرة هي التي تقودنا نحو النمو». وأكد ذلك ألبرت آينشتاين الذي قال: «إن التخيل (ويقصد الناتج من الاختراعات وبراءات الاختراعات) يعتبر أهم من المعرفة». الآثار على الشرق الأوسط خلال الخمس إلى العشر سنوات المقبلة ستكون عميقة. فإذا نظرنا إلى عدد براءات الاختراع حالياً، فإن المملكة العربية السعودية تمتلك نسبة صغيرة جداً تبلغ 1 في المئة بجانب الحد الأقصى بنسبة 100 في المئة يتم إدارته بواسطة الاقتصادات الأخرى. لذلك، فإن الفرصة من أجل التأثير الجوهري في اقتصادنا تعتبر لافتة. حكومتنا بالتأكيد تبذل ما عليها من واجبات، وبالنظر إلى القرن الحادي والعشرين، فإن الشرق الأوسط سيمتلك بنية تحتية من أجل براءات الاختراعات وبنكاً للأفكار. لذلك، فإن العلماء والمهندسين متحفزون من أجل اكتشاف وتطوير براءات الاختراع، بينما رجال الأعمال يقومون بتمويل هذه المشروعات، وبذلك تتدفق الأموال وتستقر في النهاية في اقتصادنا. كل هذا يعتبر ممكناً من طريق إضافة مكاتب نقل التكنولوجيا إلى الجامعات ودعمها بالسياسات الجيدة والبنية التحتية الجيدة والمواهب الوطنية. من فضلكم اعملوا معهم وساعدوهم وادعموهم. * عضو مجلس الشورى السعودي