حذر عدد من أئمة المساجد والجوامع من ظاهرة رفع الصوتيات خارج المساجد واستعمالها فيما يؤذي الناس أو يشوش عليهم ويزعجهم، وأشاروا إلى أن المسجد وضع للطمأنينة وليس للإزعاج، مبينين أن هناك مخالفات صريحة من بعض الأئمة في رفع الصوت. وأكد بعضهم على الوسطية في هذا الأمر بعدم رفع الصوت ليكون في دائرة الحي نفسه، دون الإفراط في علو الصوت لأن ذلك يتنافى مع طبيعة إيصال رسالة المسجد بيسر دون تشويش على الآخرين، فالأصل أن يتم ذلك بالقدر الذي يضمن الإبلاغ وتهيئة المخاطبين في أوقات مخصوصة للمتابعة والاستماع وليس في كل الأوقات خاصة أوقات قضاء المصالح والأعمال. المسجد للطمأنينة يرى عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء الشيخ خالد بن حمد الخالدي، أنه وللأسف هناك تعميم من وزارة الأوقاف بهذا الخصوص، ومع ذلك فإن عددا من الأئمة يخالفون ويزعجون النائمين من موظفي الشركات وغيرهم من الأطفال والمرضى. ويشير عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالاحساء الدكتور محمد بن صالح العلي، إلى أن هذه قضية كثر الخلاف حولها بين المواطنين وأئمة المساجد الذين يريدون رفع الصوت في مساجدهم حتى يسمع الناس قراءتهم، والمواطنون يشكون من ذلك وحكمي أن المسجد وضع للطمأنينة وإشاعتها في الحي، فإذا كانت المساجد سببا للإزعاج والشكوى ولعدم راحة المسلمين فهنا مشكلة إذا، وعلى أئمة المساجد أن يراعوا راحة المسلمين في الحي وإذا اشتكى مسلم واحد فيجب التجاوب معه وإراحته وتخفيض صوت المكبر، بل يجب على الإمام أن يتأكد إذا كان في الحي مريض أو طفل ينزعج برفع صوت المكبرات. رمز حضاري ويقول إمام جامع آل ثاني بالهفوف الدكتور الشيخ احمد البوعلي: إن المساجد تعتبر من أهم المباني عند المسلمين فهي رمز حضارتهم وشعار لهم، ووجود المآذن في أي بلد يشعرك بالأمن والإيمان، وهي كغيرها لها ضوابط شرعية في إدارتها وتصميمها والقيام بها، ومن ذلك الصوتيات فهي جزء من المسجد يجب العناية به وفق ضوابط شرعية مقننة، وقد كان بلال بن رباح وَعَبَد الله بن أم مكتوم «رضي الله عنهما» هما الوسيلة لإشعار الناس بالأذان، واليوم صارت الصوتيات هي الأساس لإعلان الأذان وأما الأصل في الإقامة والصلاة في داخل المسجد، فلا ينبغي استعمالها فيما يؤذي الناس أو يشوش عليهم أو يزعجهم ويستثنى من ذلك إذا كانت جماعة المسجد متفقة فيما بينها، وراغبة في سماع صوت إمام الحي فلا بأس في ذلك. إزعاج للمرضى والأطفال ويشير إمام جامع أم المؤمنين عائشة «رضي الله عنها» بالأحساء محمد التركي، الى أن رفع الصوتيات خارج المسجد لغير الأذان والإقامة لا حاجة له حال القراءة، وذلك لما تسببه من إزعاج للمرضى والأطفال ومن لا تجب عليه صلاة الجماعة وإذا ما رجعنا إلى قواعد الفقه في الشرع الحنيف نجد الأدلة الشرعية أمرت برفع الأذان والإقامة فحسب ولو أن قراءة القرآن مهم أن يسمعها من هم خارج المسجد لأمر الشارع الحكيم بها وعلى هذا لابد من فتوى في هذا الموضوع المهم ويعمل بها، ومن ثمرات غلق السماعات الخارجية حال الصلاة حرص المصلين على التبكير إلى الصلاة وعدم انتظار إقامة الصلاة وكذلك عدم التشويش على المساجد القريبة من بعض وكذلك حرص كل مصل على أداء الصلاة في مسجده القريب منه ولا يذهب إلى مسجد آخر وغيرها من الفوائد. النفع والضرر ويؤكد إمام جامع خشمان بمنطقة محاسن الشيخ ظافر الشهراني، أن مكبرات الصوت نعمة أنعم الله بها على أهل هذا الزمان وهي آلة مثل بقية الآلات متى استخدمت بالشكل الصحيح نفعت وأفادت، ومتى استعملت بشكل منفلت بلا مراعاة للمصالح والضوابط الشرعية كانت لها جوانب سلبية، ولهذا أدعو أهل الاختصاص لتدارس الضوابط الشرعية والمهنية لهذه المسألة، فتركها بلا ضوابط محددة، يترتب عليه مفاسد كثيرة منها اجتهادات صغار السن من المؤذنين والأئمة ممن يبالغون في استعمال تلك الأجهزة بشكل يضر الآخرين واستغلال بعض التيارات الفكرية لأخطاء الأفراد في التطبيق لتأجيج المجتمع وإشغاله بما لا مصلحة فيه وخوض غير المختصين في هذه المسألة. ويشير الشهراني إلى أنها تجعل بعض الإعلاميين والمثقفين بل وبعض العوام يصدرون أحكاما وآراء في هذه المسألة بلا علم، ولهذا اقترح بعض التوصيات التي يمكن الاستفادة منها أولها: تخصيص لواقط داخلية للأذان يكون الصوت فيها أعلى من صوت الصلوات وتخصيص لواقط داخلية للصلاة غير لواقط الأذان وخفض صوت السماعات الخارجية في الصلوات بحيث يسمعه من في محيط المسجد فقط حتى لا يشوش على المساجد الأخرى أو من يصلي في البيوت من المرضى والنساء وكبار السن ومراعاة أحوال جماعة المسجد في هذا الجانب وغيرها من الجوانب، فمتى كانوا يحبون خفض الصوت فتعاون معهم، ومتى كانوا يطالبون برفع الصوت فتعاون معهم فبعض كبار السن يطالب برفع الصوت لسماع الاذان والصلوات، فالمقصود أن تجميع الناس وتحقيق رضاهم بالرفق واللين والحوار الحسن مطلب شرعي. مستوى الصوت ويرى كاتب العدل الشيخ حسن بن السيد احمد الهاشم، أن مكبرات الصوت نعمة يجب استغلالها على الوجه الصحيح، فمن خلالها يُعرف وقت دخول الصلاة من خلال الأذان والإقامة والهدف من منع رفع مستوى الصوت لعدم تداخل الصوت مع المساجد المتقاربة في الحي، فالصوت لابد أن يكون مستواه متوسطا ومن غير صدى لكي لا يتضرر المصلون في المسجد من تداخل الأصوات مع المساجد القريبة منهم وعدم الخشوع والطمأنينة، بالإضافة للضرر على البيوت المجاورة لعدم قدرتها على التمييز بين صوت أئمة المساجد فتنعدم الفائدة المرجوة وهي الاعلام بدخول الوقت والترديد خلف الأذان وسماع إقامة الصلاة وتلاوة القرآن. تخفيض الصوت إمام جامع منيرة السعدون بحي المنقور بالمبرز الشيخ سعد بن صالح التركي، يقول: تختلف النظرة باختلاف أهل الحي المحيطين بالمسجد ومدى القرب والبعد وارتفاع مكبر الصوت وانخفاضه وتقارب المساجد كل تلك المعطيات تؤثر في اتخاذ القرار.. فالحل المناسب بعد أخذ المشورة مع جماعة الحي في إغلاقها من عدمها، ومن الحلول المناسبة إغلاق الخارجي بعد الإقامة والاكتفاء بالداخلي. ويشير عضو حماية المجتمع ضد العنف الاسري بالشؤون الاجتماعية الشيخ عادل بن سعد الزيد، الى أن مكبرات الصوت في المساجد تعتبر من الأمور التي تبعث الطمأنينة في النفس، ولكن من الأفضل تقصير الصوت بحيث لا يكون الصوت مرتفعا، وأن يكون في دائرة الحي نفسه وفي اعتقادي أن إغلاقها ليس حلا، خصوصا أن المنازل القريبة من المسجد أو الجامع تتأذى نوعا ما من الصوت المرتفع، وحتي نتخطى هذه المسألة يجب ان يناقش فيها الامام المأمومين. مشروعية المكبرات يقول امام جامع المقهوي بمحاسن الشيخ محمد المقهوي: إنه مما لا شك فيه أن الأذان يترتب عليه الإعلام بدخول أوقات الصلوات المفروضة، كما يترتب على ذلك جواز الإفطار المبني على الإعلام بغروب الشمس ودخول وقت المغرب، أو لزوم الامساك في صيام رمضان المبني على الإعلام بطلوع الفجر الصادق ودخول وقت الفجر. ويضيف المقهوي: ولما كانت المساجد في زمن الرسول «صلى الله عليه وسلم» وما بعده من الأزمنة صغيرة المساحة، وأعداد الناس قليلة، وفي المساكن قلة وتقارب، سهل مع ذلك سماع الأذان، وكذا القراءة، والتكبيرات، والخطب، وغير ذلك، ولكن مع تطور أساليب الحاجة إلى إسماع الأذان، ومع اتساع المساجد وكبر مساحتها نشأت الحاجة إلى إسماع المصلين القراءة والتكبيرات والخطب، فجاء اختراع مكبرات الصوت في العقد الثاني من القرن العشرين الميلادي، وإذا كان اختراع مكبر الصوت من الأمور الحديثة المعاصرة فإن استعماله يعتبر من الأمور المستجدة، وخاصة في البلاد الإسلامية. ويتابع: «نجد أنه يُثار بين الفينة والأخرى الحديث عن استعمال مكبرات الصوت الخارجية في المساجد وما مدى مشروعية إذاعة الصلوات والقراءة والدعاء فيها خارج المسجد؟ وهل من المشروع استعمال مكبرات الصوت الخارجية لإسماع الناس في بيوتهم القراءة والذكر، أم أن المصلحة في قصر الصوت على من كان داخل المسجد؟ ولعل استعمال مكبرات الصوت يدخل في قاعدة المصالح المرسلة التي يجب ضبطها وعدم التوسع فيها من جانب كما لا يبالغ في إغفالها والمنع منها على الإطلاق من جانب آخر ولعل- أيضًا- استعمالها يدور على قاعدة مراعاة المصالح ودرء المفاسد». فقد السمع من جانبه، يؤكد الاختصاصي بمستشفى الأمير سعود بن جلوي بالأحساء الدكتور عبدالمحسن الصويغ، أن هناك حدا للسمع لدى الإنسان سواء أكان كبيرا أم صغيرا، وقد يصاب الإنسان بفقد السمع مع مرور الأيام، مضيفا: لك أن تتصور وجود أربعة مساجد في حي صغير تتعالى فيه الأصوات من كل مسجد، فمن المفترض أن يكون هناك خفض للصوت للحد المسموح به، ناهيك اجتماعيا انه من الذوق مراعاة وجود كبار السن والمرضى والأطفال. رأي ابن عثيمين يقول الشيخ محمد بن عثيمين: مكبِرات الصَّوت من نعم الله؛ لأنَّها تزيد صوت المؤذِّن قوَّة وحُسناً، ولا محذور فيها شرعاً، فإذا كان كذلك وكانت وسيلة لأمر مطلوب شرعي، فللوسائل أحكام المقاصد. ولهذا أمرَ النبي صلى الله عليه وسلم العبَّاس بن عبدالمطلب أن ينادي يوم حنين: «أين أصحابُ السَّمُرَة»؛ لقوَّةِ صَوته. فدلَّ على أن ما يُطلبُ فيه قوَّةُ الصَّوت ينبغي أن يُختار فيه ما يكون أبلغ في تأديَة الصَّوت، ولذلك أصبح استخدام مكبرات الصوت من حاجات العصر فهي تساعد على إيصال الأذان وصوت القرآن لعدد اكبر من أهل الحي الواحد فيكون دافعا للعاجز أن يشمر لأداء فريضة الصلاة وألا يتكاسل عنها. تصميم الصوتيات برؤية شرعية ضروري لأداء رسالة المسجد