قبيل خروجي من الحدود العمرانية للمدينة، وقبل انتصاف الشمس في كبد السماء بدقائق، لمحت عاملا آسيويا يقوم بالتقاط بقايا القطع الممزقة من إطارات السيارات، وما يسقط من الشاحنات وعربات النقل الثقيل من خردة وقطع معدنية وخشبية، من وسط وعلى جانبي الطريق. التي «وللأسف» في أغلبها إن لم يكن جلها بسبب سوء التوضيب وعدم حزم البضائع والأمتعة المحملة في الحاويات والمقطورات، بشكل آمن وسليم من قبل سائقي الشاحنات. توقفت بجانب العامل، وبعد إلقاء التحية حاولت شكره، تعبيراً لما يفعله هو وأقرانه من عمل يشكرون عليه للحفاظ على سلامة مرتادي الطرق. لم يكن المال ما كان ينتظره مني، ولم أكن أتوقع أن ما كان يتطلع إليه هو رشفة ماء فقط، لكن لسوء الحظ لم يكن بحوزتي ذلك اليوم أي قارورة ماء كما هي عادتي في السفر. «رشفة ماء» كل ما تمناه ذلك العامل في يوم صيف حار، تضرب رأسه الحاسر أشعة الشمس أينما ذهب في ذلك الطريق، ولهيب رياح السموم ترهق جسده وتعرضه للانهيار والاغماء. وكذلك تلوث الهواء في بيئة عمله، بسبب استنشاقه عوادم المركبات من الغاز والديزل، وارتفاع درجة الحرارة عن معدلها الطبيعي بسبب طبقة الاسفلت. ناهيك عن الخطر الذي يحيط به وهو على بعد بضع أقدام من حافة الطريق، يتجول بين المركبات والناقلات الثقيلة؛ ليلتقط قطعة حديدية هنا أو إطار سيارة ممزقا هناك، لم يكترث لها صاحبها بالرجوع وإزاحتها من منتصف الطريق، خشية إلحاق الأذى والضرر بالمركبات العابرة أو التسبب في وقوع حادث مروري (لا سمح الله). إن بيئة ونمط عمل أولئك العمال صعب وخطر ولا يمكن إتمامه إلا بهذه الطريقة وتحت أشعة الشمس، لكن يمكن للأنظمة الإدارية أن تكون أكثر رحمة من طبيعة عملهم، مما سينتج عنه رفع لمستوى أداء الفرد وإنتاجيته، إن تحلت بالمرونة. لذا يجب على المشرفين الميدانيين وأصحاب مؤسسات المقاولات ورؤساء الشركات المتعاقدة مع وزارة النقل، ابتكار خطة وآلية عمل جديدة في ما يتعلق بطرق جمع النفايات ومخلفات المركبات من على الطرق السريعة. وذلك بتقسيم الأفراد إلى مجموعات صغيرة وورديات، تقوم بالتناوب والتردد ضمن فترات زمنية، حسب معطيات كل طريق من مسافة وعدد مسارات. على أن تجهز مركباتهم بأحدث وسائل السلامة والأمان، لضمان سلامة العمال ومرتادي الطرق من مسافرين وعابرين وسائقي مركبات نقل ثقيلة. ومن الضروري توافر حقيبة الإسعافات الأولية وحافظة بلاستيكية كبيرة مع كل فريق عمل، مزودة بالماء البارد والثلج والعصائر والسكاكر وبعض الوجبات الخفيفة، لتعويض ما يبذله العمال من جهد جسدي ونقص مستمر في الطاقة، ولتجنب إصابتهم بحالات التشنج والجفاف بسبب الأجواء المناخية الحارة نهاراً في فصل الصيف.