¿¿ العظماء يقودون آخرين نحو ميادين النّجاح. لم أكن أول النّاجحين ولست بآخرهم. نجاحي وليد تحدٍ ونتاج ظروف صعبة. واجهتها بشجاعة وثقة. هذا هو الأهم. أرجو أن يكون واضحا لا لبس فيه. ليس للذكاء شأن في حياتي. لكنّي مثابر وملتزم. واضح وحازم. طموح وشفاف. صادق مع نفسي. أتعلم من كل شيء. أحمل دقة الملاحظة. أسجل اللحظة والمشهد. أعيد قراءتها وقت الحاجة. هذا كل ما في الأمر. ¿¿ نحت مستقبلي في ظروف استثنائية. بالمقابل هل اقتنص الآخر نجاحي لمصلحة الوطن؟! أقول هذا لأن البعض المكابر تساءل يوما: ماذا فعلت وأنجزت؟! أكاديمي أعمل في الجامعة ثم يتساءلون عن إنجازاتي على صفحات الجرائد. خاطبني أحدهم كنكرة رغم كونه وزيرا. هذا البعض لا يعرف سوى نفسه. نعم قالوها وهم كبار مناصب. كانوا يردون على بعض مقالاتي التي خالفت رغباتهم. ¿¿ ما هي إنجازاتي؟! كنت أستطيع الرد في حينه. ترفعت بنفسي وبكم كقرّاء. عندما يسعى الآخر لتقزيم شأنك، ويحاول أن ينال من شخصك، فاعلم أنك حققت شيئا إيجابيا، وحقيقيا، حرّك عندهم شيئا يكرهون. عندما يكون هذا الشيء الإيجابي لصالح الوطن فشمس الحقيقة لا تغيب. هذا الأستاذ الأمريكي جعلني إنجازا للوطن وقد خذلني بعض ربعي بالتجاهل والاتهامات. قالوا: أنت تبحث عن شهرة. آخرون يرددون: ما عنده سالفة. ¿¿ نقش هذا الأمريكي شخصه في ذاكرتي. أحمله وأفتخر. سيظل في كل حرف أكتبه. في كل كلمة أنطقها. في كل جملة أرسمها. في كل كتاب أنجزته. في كل فكر أعتنقه. في كل فلسفة أتبنّاها. استحضر شخصيته وأتخيله أمامي في كل قرار أرسمه. سأظل أتذكر مقابلته الأولى. لم يتوقف مداد كرم مقابلته وتأثيرها الإيجابي. عالم أمريكي صحح مسارا خاطئا كنت أسلكه. تلك مهمّة العلماء والأنبياء والرسل. العلم ليس له جنسية ولون. العلم ليس له ديانة وعِرْق. كذلك القيم والمبادئ الإنسانية، وكل مكارم الأخلاق، وأيضا الحقائق. ¿¿ العطاء مبدأ. التعليم مسئوليّة. الدّرجة العلمية أمانة. العلم للجميع. عندما تكون معلّما فهذا يعني العطاء والقدوة والتضحية. ما يميز المعلّم النّزيه أنه صاحب رسالة، لا ينتظر كلمة شكر أو تقدير من أحد. المعلّمون يشعرون بالرّاحة في عطائهم. تجدهم زاهدين متواضعين. هكذا كان هذا الأمريكي الذي غير مجرى حياتي إلى الأبد. ¿¿ أمريكي جعلني عظيما أمام نفسي. لم يسأل من أنت؟! لم يسأل من هو أبوك؟! لم يسأل أسئلة التخلّف التي نعرف. حملني ولم أحمله. خدمني ولم أخدمه. لم يكن يعلم أني سأكتب عن حكايته مع طالب سعودي يبحث عن شيء لصالح وطنه. هكذا يصبح الحلم في أمريكا حقيقة. ¿¿ أن تعطي لتشعر بالرّاحة والإنجاز. أن تفرح بخدمة الآخر. هذا ديدن المصلحين ورواد العطاء. خدمني هذا العالم الأمريكي لكوني إنسانا يطلب العلم. تذكرت هذا مع سلوكه الإيجابي. مع تضحيته بوقته وجهده. كان يعمل لصالح طالب قادم من ثقافة أخرى. تذكرت في حينه قول الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا بلال بن رباح: (أرحنا بها يا بلال). كنت في وضع أشبه بوضع (بلال). تذكرت عظمة التقوى للجميع. استحضار قوى الماضي في مواقف الشدّة والتحدّي داعم لدكّ ورصف طريق النّجاح. ¿¿ عشت أياما بعد المقابلة أتساءل عن مستقبلي مع شروط توحي بالفشل. رغم أني اعتبرتها مؤشرا إيجابيا لصالح عزمي وعزيمتي. لصالح صلابة همّتي ودقّة نباهتي. بقيت أتساءل: هل أستطيع الوفاء بالشروط؟! عشت دوّامة الصّراع والشّحن النّفسي. كنت أعزّي نفسي وأشدّ من أزرها بقولي: إنني لها. ¿¿ هكذا انتهت قصتي مع الأستاذ الأمريكي الذي قابلت. سلّمني بكامل قواي العقلية وبموافقتي إلى الدكتور المشرف. أمريكي آخر. بعد مقابلتي الأولى وجدته يختلف عن شخصية الأمريكي الأول في كل شيء. في حينه شعرت بأنهم فرضوه تسلّطا. وجدته ثقيل الشخصية والملامح. تشتت تفكيري أمام تصرفاته. كانت توحي بالفشل في التعامل معه. أرهق تفكيري. قلّل من شجاعتي وثقتي. ¿¿ وجدته متجهم الوجه. طويلا وعريضا وممتلئا. يحمل قسوة. لا ابتسامة أو ملامح احترام وتقدير. عاملني بسياسة (كلمة ورد غطاها). لا نقاش. قليل الكلام بشكل أثار شكّي. شعرت أنه يتجاهل شخصي. استنتجت أنّه غير مقتنع بكوني طالبا في القسم. أدركت أن وجودي معه مؤقت. فكان أن بدأت التفكير في البحث عن جامعة أخرى. لا يهم وقد وجدت نفسي، واخترت دربي، وبنيت حلمي. ويستمر الحديث بعنوان آخر.