تسبب استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في افتراق الشعب البريطاني إلى فريقين؛ المناصرون للخروج، والمناصرون للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي. هناك مناطق غلب عليها التصويت بالخروج وأخرى العكس وفي داخل المناطق ذاتها انقسم الشعب الى مؤيد ومعارض. العاصمة لندن المنطقة الأكثر تمازجاً عرقياً في بريطانيا صوتت بالغالبية للبقاء ولم تخش، في تصويتها من أزمة اللاجئين في الاتحاد الأوروبي أن تفقدها هويتها الثقافية، ربما غلّبت منطق المنافع الاقتصادية التي ستفقدها عند الانفصال. ولا يمكن تفسير الدعوات التي صدرت من داخلها مطالبة بانفصال لندن عن المملكة المتحدة إثر إعلان نتائج الاستفتاء إلا بردة فعل تلقائية غاضبة. ردة فعل بدت منسجمة مع غالبية المجتمع اللندني الذي انتخب قبل أشهر ابن المهاجر الباكستاني العمالي (صادق خان) عمدةً للندن على منافسه المحافظ (زاك جولد سميث) فشاهدناه ممثلاً للمناضلين من أجل إقناع الشعب للتصويت بالبقاء. لكن لندن الغاضبة أرتنا أيضا وجها آخر يجسد خوف جزء من أهلها على هويتهم. ذلك الأمر الذي اعتبر محركاً مهما لرغبة الانفصال في وجدان الكثير من البريطانيين، لدرجة لم تستطع حتى عواقب الانفصال الاقتصادية التي تبنتها الفئة الأولى الصمود أمامه، فجاءت النتائج في صالح معسكر الانفصال. عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي يحتم عليها استقبال قرابة مليون وافد جديد كل سنة مما أثار هاجس الهوية لدى البريطانيين دافعا الأغلبية في اتجاه التصويت بنعم للانفصال. يجسد (بوريس جونسون) ابن العاصمة رغم انحداره من صلب مهاجرٍ أيضاً، الوجه الآخر للندن، الوجه الخائف على الهوية الثقافية، فهو حفيد وزير وصحافي وشاعر تركي يدعى (عصمان كمال). وهو أيضاً، سبق صادق خان كعمدة لندن، كما سبق أسلافه أسلاف صادق خان في الهجرة إلى بريطانيا. فضّل جونسون أن يحشد في الاتجاه المعاكس، وينخرط في معسكر الانفصال. لماذا يتخذ وجها سياسيا مثل بوريس جونسون ينحدر من خلفية الهجرة موقفاً متحفظاً من قضية الهجرة ويخشى على الهوية البريطانية؟ من وجهة نظري لا يختلف فهمنا لما يبدو متناقضاً في شخصية بوريس جنسون عن فهم لماذا فاز صادق خان بعمودية لندن. لقد كان صادق خان حقاً ابنا للندن حتى وهو قريب العهد بأصله الباكستاني. فهو كعضو في حزب العمال كان يناضل من أجل بريطانيا التي يعتبرها وطنه وضمن برنامج انتخبه من أجله اللندنيون، وليس لإنشاء المزيد من المدارس الدينية المتشددة في بيشاور! من هنا نستطيع الإجابة عن موقف بوريس جنسون. فرغم التناقض الظاهري بين الموقفين إلا أنهما يستبطنان الهدف ذاته ونفس طريقة التفكير، فجونسون مثل صادق قد حسم أمر انتمائه اجتماعيا إلى هويته الجديدة ولم يعد يحمل على كاهله ثقل الأقارب القادمين من مكان ما في العالم! وهو من موقع الهوية الحالي يفكر في خطر اللاجئين عليها. قد يكون صادق غلّب جانب المنفعة الاقتصادية التي ستفقدها بلدته لندن وغلّب جنسون (الأقدم هوية) الحفاظ على الهوية الجديدة لكن ما يجمع بينهما هو التفكير في مصلحة وطنه بريطانيا من موقع هويته الحالية.