نجاح دراما «سيلفي» الرمضانية يتجاوز الفعل الدرامي الروتيني ليغطي مساحة واسعة من مبادئ الرسالة الفنية الهادفة، فليس الأمر كوميديا، أيّا كانت، وإنما منظومة فكرية وظّفت الدراما لإيصال الرسالة بأقصر الطرق، وبعيدا عن مسارات النقد الفني، فإن حجم المتابعة الكبير لتلك الدراما ليس بحثا عن تسلية أو ضحكا وإنما متعة بالطروحات الثرية بالقيم الجمالية في النفوس. من المنظور الفني، تعتبر المشاهد هي الوحدات الدرامية للمسلسلات، ولعلنا لم نستوعب دقة ذلك المعنى إلا من خلال مشاهد «سيلفي» التي اختصرت كثيرا من التفاصيل لتقدم جرعة موزونة ومتزنة من الطرح الهادف والجريء الذي نحتاجه كمشاهدين ومتلقين لكسر رتابة التلقّي وانتظار ضحكات هنا وهناك في ثنايا المشاهد، غير أن هذا العمل عبر بالرؤية الدرامية بعيدا في العقل الاجتماعي واخترق موروثات لم يكن لها أن تتفكك دون إسقاطات فنية كما حدث في هذه الدراما. التميز في حلقات «سيلفي» لا ينتهي عند حد درامي أو فني، وإنما هو بلا حدود، ليس انحيازا لما يتم طرحه، وإنما المبدأ في تقديم طروحات بهذا المستوى الرفيع في تفكيك وإعادة ترتيب القناعات والخيارات المجتمعية تجاه القضايا الظرفية على نحو خاص، والموروث بشكل عام، فذلك الأداء يساعد في إعادة النظر في الثوابت الفكرية والعقلية تجاه العديد من المحاور التي ينبغي أن نعيد النظر في ثباتها وتصلبها وليس كثوابت، فالحياة تكشف لنا أنه ما من ثابت في هذا الوجود إلا المتغير، وعوامل التغيير تبدأ من خلال هذا التشريح المنهجي للأزمات والمشكلات التي تعصف بحركة العقل الاجتماعي وتنشئ كثيرا من الفروقات غير المنطقية فيما يتعلق بخيارات الأفراد وإطلاق فكرهم. الصورة الذاتية أصبحت انعكاسا لما نحن عليه، لذلك فإن السيلفي الذي يقدمه الحربي والقصبي وبقية العقد إنما يؤسس لرؤية اجتماعية متقدمة بكل التكثيف المنهجي في الطرح الدرامي الذي لم يجد صعوبة في إدهاش المتلقين واستيعاب الخطاب الكامن فيما تعرضه الحلقات، وإن رأى كثيرون أن ذلك العمل قدّم ما لم تقدمه وسائل الإعلام والمنابر، فذلك صحيح الى حد لأن الرؤية الفنية حينما تكون مركزة وعميقة كما بدت في طروحات «سيلفي» فإنها بالتأكيد ستمنحنا اتساعا في تفكيرنا تجاه خياراتنا وما ينبغي أن نبحثه ونناقشه، فالمسلسل وضعنا في مرحلة إنسانية وحضارية وزمنية متقدمة نحتاج أن نصل اليها بكل أدواتنا الحوارية والفكرية والاجتماعية والثقافية، وليت كل الموهوبين الدراميين ينتجون بمساعدة مؤسسات المجتمع المدني أفلاما قصيرة و«اسكتشات» تعالج القضايا الاجتماعية على ذات الإيقاع الذي يفترض أن ينتهي بنا في بر الأمان المجتمعي والسلام الداخلي.