عندما تنسلخ العشر الأولى من ليالي رمضان من كل عام يُهرع أولياء أمور الفتيان الصغار والفتيات فيتسابقون إلى محلات بيع الحلويات والفصفص والبسكويتات الصغيرة في حجمها والغالية في ثمنها، فتمتلئ صالات بعض البيوت بالأشكال والألوان والأكياس استعدادا لليوم الرابع عشر من هذا الشهر الكريم، هذا اليوم الذي يلبس فيه الأطفال ملابس فلكلورية ذكورا وإناثا وهذه الحركة الطفولية تمتد على مساحة الخليج العربي من الكويت شمالا إلى عُمان جنوبا، فإذا خرجت إلى الشارع رأيت ألوانا عجيبة وامتلأت عيناك بالألوان الزاهية التي اكتسى بها الأطفال، فانتشى بها الشارع جمالا وامتلأ سمعك بالأهازيج الطفولية، هذا اليوم قادم إلينا من عقود من السنين اسمه (يوم القرقيعان). يقول الأستاذ عبدالله المطلق صاحب (البوابة الجنوبية): أما في بلدتي فيبدأ «القرقيعان» من وقت الظهيرة، وينتهي عند أذان المغرب.. يطوف الأطفال «بنين وبنات» أحياء البلدة وهم يرددون بعض الأناشيد منها: * «قرقع قرقع قرقيعان عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم». كان هذا في السابق أما في هذا العصر فإن الزمان قد تغير، إذ صارت السيارات هي التي تزف الأطفال من بيت إلى بيت وتحمل أثقالهم القرقعانية. وانتقل وقت القرقيعان من الظهيرة إلى المغرب فتبدل ذلك إلى ما بعد التراويح حتى الساعة 12 ليلا. ويضيف الأستاذ عبدالله قائلا: وفي يوم القرقيعان يلبس أطفال البلدة أحلى ما عندهم من الملابس الجديدة ويفضلونها بيضاء بالنسبة للأولاد وكل لباس جديد بالنسبة للبنات، حيث يعلقون على رقابهم اكياسا صغيرة يجمع فيها كل ما حصلوا عليه أثناء الطواف في البلدة من حب ومكسرات وحلويات وكل بيت يدخلونه لابد من ترديد هذه العبارة: (قرقع قرقع قرقيعان) فإذا جاوبهم أهل البيت أخذوا نصيبهم أما إذا لم يجبهم أهل البيت فيعبرون بامتعاض عن عدم رضاهم فإذا امتلأ كيس أي طفل يذهب إلى بيته ويفرغه، ثم يبدأ يقرقع من جديد، وفي مساء يوم القرقيعان يجلس الأطفال مع أهليهم وذويهم ويذكرون كل من أعطاهم وفرحهم في هذا اليوم الوحيد في السنة، وهذا له تأثير من الناحية الاجتماعية بين جميع أهل البلدة من حيث الترابط والتكامل الاجتماعي، أيضا في مساء يوم القرقيعان يبدأ بعض الأسر تبادل القرقيعان فتكلف الأسرة أحد أطفالها بايصال القرقيعان إلى بيت فلان وتلقنه عبارة: (يسلمون عليكم أهلي وهاكم قرقيعان أخي الصغير) وهكذا بقية الأسر يتبادلون القرقيعان، وهذا يدل على الترابط والتعارف بين جميع عوائل وأسر بلدتي. هذه بعض الذكريات ليوم القرقيعان نقلته لكم كما عايشته وعايشه غيري على أيام الطفولة البريئة، وحتى هذا العصر الذي يشاركنا فيه المسحر الذي يجوب شوارع البلدة ليجمع (القرقيعان) الخاص من تمر وأرز ومازالت هذه العادة موجودة في بلدتي، إلا قليلا والبعض يحرص على أن يكون القرقيعان مميزا بعمل بعض الكروت والبطاقات والأكياس أو كرتونة مطبوعا عليها صورة الطفل أو الطفلة، وفي كل سنة يتغير وقت القرقيعان حسب أجواء يوم الرابع عشر من رمضان، ونظرا لحرارة الجو في منطقة الخليج العربي، حيث يبدأ الأطفال بعد غروب الشمس المرور على الأزقة والأحياء، والبعض يبدأ بعد صلاة التراويح، يدخلون تلك البيوت المفتوحة وهم ينشدون: أهزوجة جميلة فيها براءة، وفيها العبارات التي تجبر سامعها على العطاء لهؤلاء الأطفال الذين دخلوا هذا البيت وهم يرددون تلك الأهزوجة. ويضيف الأستاذ عبدالله: وعندما قمت بجولة في أحياء وأزقة الطرف رأيت منظرا جميلا جميع أنوار المنازل مضاءة وبعض المنازل مزدانة ببعض الديكورات الجميلة المصنوعة من سعف النخيل وأطفال وطفلات ينتقلون من شارع إلى آخر ومن حي إلى حي وهم في عز الفرح وفي يد كل طفل أو طفلة كيسة من البلاستيك أو كيسة من القماش المزكرش، هذا المنظر يجبرك على أن تقف عنده، وكل عام وأنتم بخير.