رغم إيجابيات وثيقة ايتاتي للمسلمين من الناحية النظرية عندما تم إعلانها في العام 1965، إلا أنها لم تخدم الحوار والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين كثيرا بسبب عدم تحويل بنودها إلى مشاريع عملية تخدم هذه العلاقة. صحيح أنها لم تبق حبيسة الأدراج، لكنه لم يتم تفعيلها بين المسيحيين والمسلمين، بينما استغلها اليهود الذين طاروا بها فرحا بسبب تبرئتهم من دم المسيح الذي ظل يتهمهم به المسيحيون طوال قرون، وقاموا باستثمارها لتطبيع العلاقات مع أطياف أخرى من المسيحيين من غير الكاثوليك. أما المسلمون فقد كانوا في وضع سياسي صعب، حيث كانت بعض دولهم لا تزال تحت الحماية أو الاستعمار، ولم يمض عامان على صدور الوثيقة حتى حصلت نكبة حزيران 1967 التي تركت جراحا غائرة في جسد العرب لم تندمل حتى اليوم، حيث اعتبر المسلمون أن إسرائيل إنما احتلت فلسطين وما حولها بسبب دعم الغرب لها. وكان العرب يخلطون حينها (ولا يزال كثير منهم) بين المسيحية والغرب، حيث يعتبرونهما شيئا واحدا، بينما الأمر ليس كذلك. فالغرب أولا مر بمرحلة مخاض عسيرة وصراع مع السلطة الدينية انتهت بعدم تدخل الكنيسة في السياسة والحياة العامة للناس، ولا ينطلق ساسة الغرب في خططهم وبرامجهم السياسية من منطلقات دينية غالبا، كونهم يفصلون بين الدين والسياسة في المقام الأول وكون المصلحة القومية لبلادهم هي ما يفرض أي قرار في المقام الثاني. كما أن المسيحية اليوم ليست مسيحية واحدة، بل تتشكل من طيف واسع جدا من المذاهب المختلفة، بل والمتباينة والمتنافرة أحيانا والمتحاربة تاريخيا، لذا فإنه لا يمكن وضع جميع أتباع المسيحية في سلة واحدة عندما يتعلق الأمر بالمسلمين. ومن أهم العقبات التي وقفت أمام حسن استغلال وثيقة (نوسترا ايتاتي) لقيام حوار بين الطرفين الحروب الصليبية التي كان المسلمون في البداية يسمونها (حروب الفرنجة)، إلا أنهم غيروا ذلك لاحقا إلى مسمى (الحروب الصليبية) أو (الحملات الصليبية). ويرى أكثر المنصفين من المؤرخين المسلمين أن تلك الحروب لم تكن مسيحية تبشيرية، بل كانت تتدثر بالمسيحية فقط من أجل الحصول على الشعبية والدعم اللازمين. وكانت أهدافها المكاسب السياسية والاقتصادية والسيطرة والتوسع، لكن هذه الحروب عندما وصلت إلى البلاد العربية كان أولى ضحاياها من المسيحيين الشرقيين في مختلف المناطق ومنها القسطنطينية والقدس، حيث قاموا بهدم أو حرق كنائس وتدمير بيوت للمسيحيين، بل وقتل شخصيات دينية من الأقباط في مصر. وقد وقف مسيحيو الشرق مواقف مشرفة للغاية مع المسلمين ضد هذه الحملات الأمر الذي أدى إلى تعرضهم للتنكيل والقتل من قبل الغزاة الغربيين الذين كان هدفهم اقتصاديا بالدرجة الأولى.