المتتبع للسلوك البشري يندهش كثيراً من تناقضاته وردود الفعل المعاكسة وغير المتوقعة. فالمتعارف عليه أن أي تحفيز وتوفير بيئة مميزة قد يدفع للولاء وخفض مستويات التوتر والرضا خاصة في الأعمال أو بيئات العمل وأن العملية طردية ويعني ذلك كلما كثرت الإيجابيات يكون هناك سلوك إيجابي... ولكن عندما تكون ردة الفعل غير متوقعة وتكون النتيجة غضبا وتذمرا وعدم جدية وضعفا في مستويات الولاء فكيف نفسر مثل هذا السلوك البشري؟ ولكوني من خبراء السلوك البشري كنت دائماً أتساءل عن ردود الفعل غير المتوقعة أو بمعنى آخر ردود الفعل السلبية تجاه السلوك الإيجابي أو البيئة الإيجابية وشاهدت أن التعامل الإيجابي والإنساني لا يحقق في أغلب الأحيان ردود فعل إيجابية من قبل الآخرين وخاصة الوطنية فتكون ردود الفعل عادة رغبة في البحث عن عمل آخر وكثرة الاحتجاجات والتذمر من بيئة العمل والتفرغ لتصيد أي زلات في النظام والخمول وعدم الرغبة في العمل وكثرة الغياب والأعذار وبالمقابل عندما تراقب السلوك في مؤسسات لا تولي الاهتمام للجوانب الانسانية والقانونية وتعتبر بيئة العمل قضية ثانوية بالنسبة لها تجد العاملين أكثر ولاء والتزاما وتمسكا بالعمل في تلك المؤسسات حتى وإن عرضت عليهم فرص أفضل. في جامعة كامبريدج البريطانية حاولت الاجابة عن هذه التساؤلات بدراسة قامت بها وخلصت إلى أن الموظفين الغاضبين من الأوضاع المتردية في أماكن عملهم يسعون للتمسك بوظائفهم لتحسين الوضع داخل مؤسساتهم إذ يتسبب الغضب في نوع من اللوم الذاتي ويجعل الموظف يتصور أنه جزء من منظومة مترهلة متصور أنه أحد أسباب تداعي المؤسسة مما يدفعه للبقاء فيها محاولاً إصلاح تلك الأوضاع، وخلصت الدراسة الى أن سياسات الشركات التي تهدف الى تعزيز المشاعر الإيجابية أو التقليل من المشاعر السلبية ليس لها تأثير ملموس على سير العمل. يبدو أن ردود الفعل العكسية للسلوك ليست محصورة على مجالات العمل بل في أغلب شؤون الحياة وفي العلاقات الإنسانية الأخرى وهناك أمثال، مثل «إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإذا أنت أكرمت اللئيم تمردا».. وعادة ما يقال للحد من التلطف مع الأشخاص. «لا تعطيه وجه يأخذ عليك» أو «خليك رسمي معه أو معها»، «اثقل عليه أو عليها»، أو «لا تكن لطيفاً أكثر من اللازم»، «ربما احسانك له يجعله يتمادى بالخطأ».. وأيضاً «لا تكن حسن النية يفهمونك غلط».. وهناك أشياء يفعلها الناس اللطفاء بنية حسنة وبطريقة معتادة لديهم، ولكنها تؤثر بطريقة عكسية على علاقاتهم وقد تنزع البهجة من حياتهم وتسرق وقتاً وطاقة ثمينة منهم مما يخلق لديهم ردة فعل محبطة ولوما مستمرا للذات. كما يبدو البيئة الضاغطة والحرمان من الحوافز سواء مادية أو معنوية والجو الرسمي والمعاناة بصفة عامة تحفز الأشخاص للعمل والنشاط وقلة التذمر وهذا جزء من المتناقضات السلوكية الإنسانية.