شُغِلَ بعضُ الناسِ بطلبِ الرِّزق، وبالغَ البعضُ في بذلِ الأسبابِ المشروعةِ وغير المشروعةِ في سبيل تحصيله، وتشاغلوا عما خُلِقوا من أجله. قال جلّ في علاه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون). وعبادةُ الله قد تكونُ في طلبِ الرِّزقِ شريطةَ أن تكونَ الأسبابُ مشروعةً والوسائلُ مباحةً. قال تعالى: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ). وقال تعالى: (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) فتركُ الأسبابِ ضَعْفٌ في العقلِ، والاعتمادُ عليها ضَعْفٌ في الدِّينِ. وقد «تكفّل الحقُّ - سبحانه - للإنسانِ برزقِهِ، و جعلَ للرزقِ أسباباً، وكُلُّ ما على الإنسانِ هو أنْ يأخذَ بهذه الأسبابِ ثم لا يشغلُ بالَهُ همّاً في موضوعِهِ، ولا يظنُّ أنَّ سَّعْيَه هو مصدرُ الرِّزقِ، لأنّ السعيَ سَبَبٌ، والرِّزقُ من الله، وما على الإنسانِ إلا أنْ يتحرَّى الأسبابَ، فإنْ أبطأ رزقُه فليرُحِ ْ نفسَه؛ لأنَّه لا يعرفُ عنوانَه، أمّا الرِّزقُ فيعرفُ عنوانَ الإنسانِ، وسوف يَأتيه يَطرقُ عليه البابَ». قال تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون). ولما سَمِعَ أعرابيٌّ هذه الآيةَ صاحَ بأعلى صوتِه وقال: «يا سبحان الله! من الذي أغضبَ الجليلَ حتى حَلَفَ». قال الحسنُ البصريُّ -رحمه الله-: كثيراً ما وَجَدْنَا من طَلَبَ الآخرةَ وأتتهُ الدُّنيا، ولكنَّنا لم نَجِدْ مَن طَلَبَ الدُّنيا وأتتهُ الآخرةُ. قال صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهَرَبُ مِنَ الْمَوْتِ؛ لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ». فلو وَعَى الإنسانُ هذه الحقيقةَ لطابتْ نفسُه وسكنَ قلبُه ولم تذهبْ حياتُه حسراتٍ على فواتِ نصيبٍ من الدُّنيا. فإنْ أُعطِيَ بعدَ أخذِ الأسبابِ شَكَرَ، وإنْ ُمُنِعَ حَمِدَ اللهَ وصَبَرَ. و لعلي في هذا المقال أشير إلى بعض الأسباب المشروعة الجالبة للرزق وهي: تحقيق التوحيد وتقوى الله عز وجل والاستغفار والتوكل على الله وصلة الرحم والإنفاق والصدقة والزواج والدعاء وشكر النعم «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ».. ولا شَكَّ في أنَّ الرِّزقَ لا يَنحصِرُ في المالِ والعقارِ ونحوهما، بل هو أوسعُ من ذلك. قال ابن منظور في لسان العرب: الرِّزقُ هو ما تقومُ به حياةُ كُلِّ كائنٍ حيٍّ، ماديّاً كانَ أو معنويّاً. فالأمنُ، والعافيةُ، والتوفيقُ للطاعةِ، وصلاحُ الأبناءِ والزوجةُ، ومحبّةُ النّاسِ ودعواتُهم لك، وحُسْنُ الخُلُقِ، وإحسانُ الظّنِّ بالناسِ، وسلامةُ الصَّدْرِ، وحُبُّ الخيرِ للغيرِ، والقناعةُ، كُلُّ هذا من الرِّزْقِ الذي يَغفلُ عنه معظمُ النَّاسِ. اللهم إنا نسألك من واسع فضلك.